شمس الهدى، وطوّق جيد الوجود بعقود الإفضال، ودارت أفلاك السّعود بقطب دائرة الكمال، فوضعته ﷺ واضعا يديه على الأرض، رافعا رأسه إلى السّماء، مقطوع السّرّة، مختونا، منزّها عن قذر النّفاس، مكرّما.
فأضاءت له قصور (بصرى) من أرض الشّام. وخمدت نار الفرس الّتي يعبدونها، ولم تخمد منذ ألف عام. وانشقّ لهيبته حين ولد إيوان كسرى. وتواصلت من الرّهبان والكهّان هواتف البشرى، وأشرقت مطالع الأنوار بميمون وفادته، وتعبّقت أرجاء الأقطار بطيب ولادته، وخرّت الأصنام على وجوهها إذعانا لسيادته.
فأرضعته ثويبة- مولاة عمّه- أيّاما، ثمّ تولّته حليمة السّعديّة رضاعا وفطاما، فشملتها/ البركات بحضانته، ولم تزل تتعرّف منه الخيرات في مدّته، فدرّ ثديها عليه بعد أن كان عاطلا، وجادت شارفها «١» باللّبن بعد أن كانت لا تروي ناهلا «٢»، وأسرعت أتانها «٣» في السّير وقد كانت ثاقلا، وأخصبت بلادها وكانت قبل ذلك ماحلا.
ثمّ فصلته بعد أن تمّ له الحولان، وكان يشبّ شبابا «٤» لا يشبّه الغلمان، وظهرت لها في صغره مخائل «٥» نبوّته، وأخذه الملكان من بين الصّبيان، فشقّا من تحت صدره إلى سرّته، فاستخرجا منه علقة سوداء، وقالا: هذا حظّ الشّيطان، وغسلاه بماء الكوثر، ثمّ ختماه بالحكمة والإيمان.
_________
(١) الشّارف: الناقة المسنّة.
(٢) شاربا واحدا. نهل الشّارب: شرب حتّى روي، فهو ناهل.
(٣) الأتان: الحمارة.
(٤) ينمو نموا سريعا. شبّ يشبّ شبابا وشبيبة: الفتاء والحداثة.
(٥) المخائل: الدّلائل. يقال: أخال فلان للخير، أي: ظهرت دلائله فيه.
1 / 55