هابرماس: مقدمه قصيره
يورجن هابرماس: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
شكل 9-1: ألمان شرقيون يجلسون منفرجي السيقان على جانبي جدار برلين.
وفضل كول ومستشاروه إسناد التوحيد إلى المادة 23 بما أنها لم تقتض أي تعديل في القانون الأساسي لألمانيا الغربية. سارع هابرماس بمعارضة ذلك. ففي رأيه الوحدة على أساس المادة 23 ما هي إلا مناورة إدارية محضة يمكن بواسطتها ضم ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية فعليا. والأدهى أن هذه الاستراتيجية اختيرت بحيث يمكن إدارة العملية بأسرها بما يخدم مصالح السياسة الداخلية والخارجية للديمقراطيين المسيحيين التابعين للمستشار كول. كان استخدام المادة 23 يعني أن العملية يمكن أن تستكمل بسرعة نسبيا لتعزيز الشعبية الداخلية لكول قبل الانتخابات القادمة.
ونتيجة لذلك، حرم الألمان الشرقيون والغربيون من فرصة إقامة خطاب أخلاقي- سياسي حول أنواع البنى السياسية التي يفضلون العيش تحت مظلتها. وكان هابرماس واحدا من بين كثيرين من المفكرين آنذاك ممن أيدوا معدل إصلاح أبطأ وعملية أكثر شمولا. كان يجب أن يكون التوحيد «فعلا عاما استنادا لقرار ديمقراطي يتخذ بروية وتفكر في الألمانيتين الشرقية والغربية» (الهوية الألمانية مجددا). كان يمكن للألمان الشرقيين المشاركة في العملية، بدلا من أن يتولى عنهم البيروقراطيون في الغرب كل شيء، وكان يمكن للألمان الغربيين التصويت على دستورهم الخاص. اعترض هابرماس على «العيب المعياري» في التوحيد؛ لأن الاتحاد افتقر إلى التبرير السياسي والأخلاقي والخلقي الكافي؛ أي المدخلات من أدنى التي يراها شرطا ضروريا للشرعية الديمقراطية.
وفي سياق مماثل، اعترض هابرماس على «التصفية» الإدارية لجميع المؤسسات القديمة التي تؤوي بقايا المجتمع المدني الألماني الشرقي - كالجامعات والكليات والمتاحف والمسارح وما إلى ذلك. وحذر من أن المجتمع المدني، ويريد به شبكات التواصل والخطاب العام غير الرسمية، مورد سياسي هش وثمين، تدميره أسهل بكثير من إعادة بنائه. زعم هابرماس أن الوحدة ليست حقيقة إدارية واقتصادية فحسب، لكنها أيضا مهمة سياسية؛ ومن ثم فلا بد من السماح بنشأة ثقافة سياسية يمكن أن تجد صدى لدى فهم الألمان الشرقيين لذواتهم.
وأخيرا، اعتقد هابرماس أن الحكومة الديمقراطية المسيحية القائمة آنذاك قد تجنح إلى تشريع سياساتها بتأجيج المشاعر القومية الداعية للوحدة الألمانية. في بداية الأمر، رضوا بالاحتكام إلى القومية الاقتصادية. فمن ناحية، ذكروا مواطني الجمهورية الفدرالية بحجم الإنجازات التي حققوها حتى ذلك الحين، وقطعوا على أنفسهم عهدا لا سبيل إلى الوفاء به؛ ألا وهو أنه لن يتعين عليهم (الألمان الغربيين) أن يتكفلوا بثمن الوحدة بدفع ضرائب أعلى. ومن ناحية أخرى، فقد قدموا للألمان الشرقيين رؤية لازدهار اقتصادي شبيه. كان فكر هابرماس، الملخص في عمله «الهوية الألمانية مجددا»، يفيد بأنه عندما اتضح له في نهاية المطاف أن إعادة البناء الاقتصادي لألمانيا الشرقية سيكون بطيئا وشاقا ومكلفا، ولن يحظى بالتمويل الكامل من النمو الاقتصادي، سيشعر المواطنون الألمان الشرقيون والغربيون على حد سواء بالخيانة. السبيل السهل للخروج من هذا المأزق هو تأجيج مشاعر القومية الألمانية بما يلازمها من أخطار. ولقد سلط اندلاع أعمال العنف الطائفي ضد العاملين الزائرين الأجانب في روستوك وهويرزفيردا بألمانيا الشرقية إثر النشوة الأولى بالوحدة، سلط الضوء على هذه الأخطار بجلاء ووضوح.
حذر هابرماس المحافظين من تعريض الثقافة السياسية الهشة التي تحققت بشق الأنفس لألمانيا الغربية للخطر؛ تلك الثقافة السياسية المتمثلة في هوية جمعية لا قومية، واعية للذات، ما بعد قومية؛ ووطنية دستورية. وبدلا من الاحتكام المحض إلى الوطنية الاقتصادية، دعا هابرماس إلى عملية «إعادة توحيد تعطي أولوية لحق المواطنين الحر في تحديد مستقبلهم بالتصويت المباشر في إطار فضاء عام لا يزاحمهم فيه أحد ...» (الهوية الألمانية مجددا). ستكفل عملية أبطأ، حسب المادة 146، وقتا ومجالا للخطابات الأخلاقية والخلقية والسياسية الضرورية التي يمكنها أن تسمح بنمو علاقات التضامن المشترك بين مواطني ألمانيا الشرقية والغربية. وسيشجع ذلك بدوره المواطنين الألمان على تقييم المسألة من منظور أكثر اتساعا من منظور مصلحتهم الشخصية الفردية. (4) الاندماج الأوروبي
تتسق وجهات نظر هابرماس بشأن مسألة الاندماج الأوروبي وملاحظاته حول تقادم فكرة الأمة وعدائه السياسي والأخلاقي للقومية. وهو يورد عدة مجموعات مختلفة من الاعتبارات المؤيدة للاتحاد الاقتصادي والسياسي للدول الأوروبية. (4-1) ألمانيا والمسألة الأوروبية
أولا؛ هناك مجموعة من الأسباب التاريخية والأخلاقية بصفة عامة تندرج تحت فكرة هابرماس عن «التعلم من الكارثة». ليس علينا سوى الرجوع إلى تاريخ القرن العشرين الحديث، ورؤية الكوارث التي أفضت إليها الحربان العالميتان إن أردنا أن نقيم أخطار وجود دول قومية ذات سيادة مستقلة في أوروبا في حالة تنافس اقتصادي وسياسي بعضها مع بعض. يقول هابرماس إن الأوروبيين «يجب أن يتخلوا عن العقليات التي تتغذى عليها الآليات القومية والإقصائية» («تضمين الآخر»، النسخة الإنجليزية). سيكفل الاتحاد السياسي إطارا يمكن فيه تحقيق الاندماج الاجتماعي ما بعد القومي على أساس «الشبكة التواصلية من فضاء عام سياسي شامل لأوروبا مدمج في ثقافة سياسية مشتركة.»
أقترح أنه حتى هذا المشروع يمكن أن يفهم باعتباره وسيلة سياسية واقعية جدا للرد على الأمر القطعي الجديد لأدورنو؛ الحيلولة دون تكرار حادثة أوشفيتس أو ما شابهها من حوادث. وبالنظر إلى الخصائص الدقيقة لماضي الاندماج الأوروبي الحديث، فإنه تتجلى أهميته أكثر فأكثر بالنسبة لألمانيا. وجهر هابرماس بمعارضته لما اعتبره اقتراحات قميئة وخطيرة في بعض دوائر المحافظين مفادها أن على ألمانيا أن توقف اندماجها في الاتحاد الأوروبي للحفاظ على المارك الألماني، ولإقامة صلات سياسية واقتصادية مع دول أوروبا الوسطى التي تحررت الآن من الشيوعية السوفييتية.
وتعنى مجموعة أخرى من الحجج المؤيدة للاندماج الأوروبي بآثار تبني اقتصاد عولمي على الدولة القومية وحدها. بصفة عامة، تدرك حكومات الدول الصناعية المتقدمة والمتطورة فنيا أن النمو الاقتصادي يأتي على حساب الجانبين الاجتماعي والسياسي بقدر معين؛ ومن أمثلة ذلك الزيادات في نسب البطالة والفقر وتفاوتات الدخل. إذا تركت هذه الآثار دون احتواء ، فستكون أسبابا محتملة للتفسخ الاجتماعي وزعزعة الاستقرار السياسي الداخلي. لكن الدول الغنية استطاعت - إلى حد ما - احتواء هذه الآثار السلبية بواسطة برامج الرفاهة وتنظيم سوق العمل وسياسات إعادة توزيع الثروات وغيرها من التدابير.
صفحه نامشخص