هابرماس: مقدمه قصيره
يورجن هابرماس: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
الصورة الكلية هي أن الخطابات الأخلاقية تقتضي من المشاركين أن يضعوا أنفسهم في مكان جميع الآخرين المحتمل تأثرهم بمعيار مرشح؛ وذلك من أجل اختبار كونه مقبولا من منظورهم أيضا أم لا. على سبيل المثال، ربما يكون الأثرياء أو المتعلمون الذين يملكون مهارة رائجة نزاعين إلى قبول إلغاء الرعاية الاجتماعية على أساس أنها تفرض أعباء ضريبية مجحفة على أمثالهم. ولكن، هل كانوا سيقبلون بتلك السياسة لو كانوا هم الفقراء أو غير المهرة؟ لو فرض عليهم استبدال منظورهم مع الفقراء وغير المهرة، فإن المبدأ الأخلاقي يستبعد المعايير التي تعمل في مصلحة أشخاص بأعينهم أو جماعات بعينها. (2-3) تبرير المبدأ الأخلاقي
يتخذ بيان هابرماس للموقف الأخلاقي شكل تحليل للأفكار البديهية اليومية التي يحملها الفاعلون الأخلاقيون الحداثيون؛ تحليل يميط اللثام عن مبدأي أخلاقيات الخطاب؛ مبدأ الخطاب والمبدأ الأخلاقي. يعبر هذان المبدآن عن إجراء الخطاب الذي يميز بموجبه الفاعلون في العالم المعيش المعايير الأخلاقية الصحيحة، وهي المعلومات التي تتيح لهم الحكم على خطأ أو جواز أفعال بعينها في مواقف بعينها.
إن بيان الموقف الأخلاقي ليس تبريرا فلسفيا له، ما دام هذا البيان ينطلق من مقدمات منطقية أخلاقية. فهذا البيان يفترض وجود الموقف الأخلاقي، ويستفسر عن إمكانية وجوده. وتبرير هابرماس للموقف الأخلاقي لا يفترض هذه الفرضية. يتخذ تبرير الموقف الأخلاقي شكل اشتقاق شكلي للمبدأ الأخلاقي. ويعتقد هابرماس أنه ما لم يمكن استخلاص المبدأ الأخلاقي شكليا، من مقدمات منطقية لا أخلاقية، فسيظل هناك شك بأن المبدأ الأخلاقي ليس سوى «تحيز عرقي»؛ أي إنه مجرد تعبير عن مجموعة من القيم الممكنة ثقافيا وتاريخيا. وللأسف، لا يقدم هابرماس نفسه اشتقاقا شكليا للمبدأ الأخلاقي، رغم أنه افترض دوما (وربما بثقة مفرطة بنفسه) وجوده.
لكنه يصرح لنا بالمقدمتين المنطقيتين اللتين يتم استخلاص المبدأ الأخلاقي منهما شكليا: قواعد الخطاب و«مفهوم التبرير المعياري عامة كما هو منصوص عليه في مبدأ الخطاب» (نظرية الفعل التواصلي). المشكلة هي أنه ما من وسيلة يمكننا بها أن نرى كيف يمكن استنباط المبدأ الأخلاقي منطقيا من هذه المقدمات المنطقية وحدها. ما من شيء في قواعد الخطاب (انظر الفصل الثالث) والمبدأ الشرطي يسمح لهابرماس باستنباط المبدأ الأخلاقي، الصيغة ثنائية الشرط (الصحة ↔
الإجماع). تذكر عزيزي القارئ أن مبدأ الخطاب ما هو إلا شرط بسيط (الصحة ←
الإجماع). وما من شيء في قواعد الخطاب يسمح لهابرماس بأن ينتهي إلى أنه إذا كان هناك معيار قابل للإجماع، فلا بد أن يكون صحيحا (الإجماع ←
الصحة). والحجة التبريرية، إن كان لها أن تؤتي ثمارها، بحاجة إلى مقدمات منطقية تكميلية.
من الناحية الواقعية، ثمة مكان وحيد يستطيع فيه هابرماس أن يبحث عن هذه المقدمات المنطقية الإضافية؛ ألا وهو نظرية الحداثة. المشكلة أنه من المستبعد جدا أن يتسنى التأكد من نظرية التحديث بمعزل عن برنامج أخلاقيات الخطاب. على أية حال، فإن علاقة التبرير ستتجه في الاتجاه الآخر. وجل ما يمكن أن نعقد الآمال عليه هو أن تعتبر نظرية الخطاب الخلقي، إذا وجد ما يبررها، دليلا على نظرية هابرماس للحداثة. من الواضح إذن أنه في غياب أي اشتقاق شكلي للمبدأ الأخلاقي، تصمد أخلاقيات الخطاب وتتهاوى بحسب معقولية بيان هابرماس للموقف الأخلاقي. (3) أوجه الاعتراض على المبدأ الأخلاقي
لننظر الآن في بعض أشهر الاعتراضات التي وجهت إلى نظرية الخطاب الخلقي. (3-1) الاعتراض على مسألة التكرار
رأينا توا كم هو مرهق اختبار التعميم. فبحسب المبدأ الأخلاقي، تصح المعايير إذا، وفقط إذا، كانت تلبي بالبرهان مصلحة عامة لكل المعنيين، ويتبناها الجميع على هذا الأساس. وما دام نطاق الإجماع الذي يستهدفه المبدأ الأخلاقي ومبدأ الخطاب واسعا جدا (موافقة «كل المعنيين»)، وعملية التبني المثالي للأدوار مرهقة جدا، فيجب أن يكون المبدأ الأخلاقي مقيدا جدا. لن تصمد الكثير من المعايير المرشحة أمام هذا الاختبار القاسي لصحتها، والتي ستصمد منها أمام هذا الاختبار ستكون عامة جدا.
صفحه نامشخص