هابرماس: مقدمه قصيره
يورجن هابرماس: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
Gültigkeit ) شيء مختلف إلى حد ما؛ فهو العلاقة الوثيقة بين الأسباب والإجماع، أو بحسب تعبيره، «العلاقة الداخلية مع الأسباب» (نظرية الفعل التواصلي، المجلد الأول، الفصل التاسع).
النقطة المحورية فيما أسميه أطروحة هابرماس العقلانية هي أن المعنى البراجماتي لأحد الألفاظ يعتمد على صحته؛ أي على الإجماع الذي يقدم أسبابا يمكن أن يستشهد بها المتكلم. علاوة على ذلك، يزعم هابرماس أن معنى الأفعال والملفوظات والفرضيات عام أو مشترك بالضرورة، وأن هذا يرجع إلى أن المعنى يعتمد على الأسباب التي هي بدورها عامة أو مشتركة بالضرورة. وتعتمد المعاني المشتركة على أسباب مشتركة. (يمكن أن يرى المرء هنا كيف تعيد نظرية المعنى البراجماتية لهابرماس صياغة فكرة الدعاية في تعبير اصطلاحي مختلف كل الاختلاف، وعلى مستوى نظري أكثر تجريدا من أعماله السابقة.)
لنلق الآن نظرة أكثر تمحيصا على تفاصيل النظرية. يقول هابرماس إن أي فعل كلامي مخلص يطرح ثلاثة ادعاءات مختلفة لصحته: ادعاء صحة حقيقته، وادعاء صحة صوابه، وادعاء صحة صدقه. هذه هي الالتزامات التي شهدناها في نهاية الفصل السابق. وادعاءات الصحة «ضرورية» من حيث إنها تفهم دوما على اعتبار أنها طرحت أثناء فعل الكلام؛ لا يمكننا أن نجعل الآخرين يفهموننا ونشارك في حوار هادف دون افتراضات مسبقة، وإقناع الآخرين بالإيمان بأننا صادقون، وأن ما نقوله صواب وحقيقي. وانطلاقا من كون ادعاء الصحة التزاما بالتبرير، فهو التزام بتقديم الأسباب المناسبة. ويدعي هابرماس أنه في أي فعل تواصلي، يجب أن يقدم المتكلم ادعاءات الصحة الثلاثة كلها. ووفقا لنوع فعل الكلام - سواء أكان تأكيدا، على سبيل المثال، أم طلبا أو تصريحا - ثمة ادعاء صحة وحيد هو الذي يطرح كفكرة على المستمع، أو ادعاء صحة وحيد يستوعبه المستمع.
عندما يطرح المتكلم ادعاء بصحة حقيقة قول ما، على سبيل المثال «الثلج أبيض»، فهو يوحي بأن هناك أسبابا وجيهة لتصديق ادعائه، وأنه يستطيع، إذا دعت الحاجة، أن يقنع المستمع بصحته على أساس هذه الأسباب. سيفهم المستمع التأكيد في ضوء هذه الأسباب. وهذه نقطة أقل مباشرة مما تبدو في الواقع. فالسؤال هنا: عندما أطرح ادعاء بصحة حقيقة عبارة «الثلج أبيض»، هل أدعي أن محتوى التأكيد - أن الثلج أبيض - صحيح، أم أن الملفوظ نفسه - «الثلج أبيض» - صحيح؟ بداية، لم يحدد هابرماس؛ فالمتكلم - حسب زعمه - «يستطيع بشكل عقلاني تحفيز المستمع من أجل قبول فعله الكلامي؛ لأنه ... يستطيع أن يضطلع بتقديم «ضمانة» توفير ... أسباب وجيهة يرد بها على نقد المستمع لادعاء الصحة» (نظرية الفعل التواصلي، المجلد الأول). موقفه الحالي هو أن الحقيقة تلتمس لمحتوى ما يقال وللفظ المنطوق في آن واحد .
وادعاءات صحة الصواب - إذا وجدت - أكثر تعقيدا بكثير. يزعم هابرماس أنه عندما يطرح المرء ادعاء بصحة صواب كلام ما، فإنه يدعي صواب العرف الكامن وراء الكلام. على سبيل المثال، إن قلت إن «السرقة إثم»، فإنني أزعم ضمنيا أني أستطيع تقديم حجج تقنع محاوري بأن السرقة إثم. ثمة مكمنان للصعوبة هنا. أولهما أن هابرماس يعتقد أن التصريحات الأخلاقية مثل «السرقة إثم» ليست افتراضات حقيقية، ولا تحمل قيم الحقيقة في طياتها. فالقول بأن «السرقة إثم» طريقة تضمر وراءها مقولة «لا تسرق»، وليس من المنطقي القول بأن «لا تسرق» عبارة صحيحة أو خاطئة بما أننا لا نستطيع أن ننسب الحقيقة أو الزيف إلى صيغة الأمر؛ ولذا، فإن محتوى المقولة الأخلاقية «القتل إثم» يشبه فرضية «أن القتل إثم»، لكن هذه طريقة مراوغة للقول بأن العرف الأساسي الذي تعبر عنه صيغة الأمر «لا تقتل» مبرر. ويترتب على ذلك أن ادعاء صحة الصواب يجب أن يكون ادعاء بصواب العرف الأخلاقي الضمني؛ أي التزاما بتقديم الأسباب التي تبرر هذا العرف.
موطن التعقيد الثاني يكمن في أن «الصواب» هنا كلمة ملتبسة؛ فمن الممكن أن تعني المناسب أو المبرر أو المسموح به أخلاقيا أو المطلوب أخلاقيا. والتقدم بادعاء صحة صواب شيء ما يمكن أن يوازي الادعاء بأن عرفا من الأعراف مناسب في الموقف المعني؛ ويمكن أن يوازي الادعاء بأن ذاك العرف مبرر، ويمكن أن يعني الادعاء بأن الأفعال التي يحددها العرف مباحة أو مطلوبة. ويبدو أن رأي هابرماس هو أن التقدم بادعاء صحة صواب شيء ما يوازي الادعاء بأن العرف الكامن وراءه مبرر، على أساس ضرب خاص جدا من المنطق وثيق الصلة بالخلقية. وعندما يتم تطبيق العرف تطبيقا صحيحا في موقف بعينه، سيكون واضحا لجميع المعنيين إن كان الفعل مسموحا به أو محظورا أو مطلوبا.
يكفي هذا القدر فيما يتعلق بادعاءات صحة الصواب الآن. سأتناولها بالنقاش مرة أخرى في الفصل السابع. تنص الأطروحة العقلانية على أن المعنى يعتمد على الصحة؛ لأنه لفهم معنى الكلام الملفوظ، يتعين على المستمع أن يكون قادرا على استحضار (وقبول أو رفض) الأسباب المتعلقة بتبريره في ذهنه. النقطة الأساسية هنا هي أن السبب والصحة، لا الحقيقة، هما اللذان ينجزان العمل كله. فبدلا من القول بأنه لفهم معنى فرضية ما، يجب أن أعرف الشروط التي تجعلها إما صوابا أو خطأ، يزعم هابرماس أنه لفهم معنى الكلام الملفوظ (والأمر نفسه ينطبق على الأفعال)، يجب أن أكون قادرا على أن أستحضر في ذهني، وأقبل أو أرفض، الأسباب التي من الممكن الاستدلال بها لتبريره. يقول هابرماس: «إننا نفهم معنى فعل الكلام عندما نعرف ما يجعله مقبولا» (نظرية الفعل التواصلي، المجلد الأول). (2-4) الفهم والمعنى
حتى الآن عكفت على عرض ما يسميه هابرماس براجماتيته الشكلية كنظرية للمعنى. ولعلكم لاحظتم أننا أخذنا نناقش مسائل خاصة بالمعنى بالتوازي مع مسائل متعلقة بالفهم. ولا عجب في ذلك إذا ما نظرنا إلى أن أحد أسباب ابتكار هابرماس لنهجه الجديد للنظرية الاجتماعية هو حل مشكلة فهم المعنى. يعتقد هابرماس أن نظرية المعنى ينبغي أيضا أن تكون نظرية للفهم، وإلا فستجرد مسألة المعنى من السياق الذي يعطي فيه المتكلم المستمع شيئا ليفهمه. وبتعبير آخر، يعتقد هابرماس أن المعنى علاقة بين ذواتية لا علاقة موضوعية. (لاحظ كيف تمثل نظريته للمعنى رفضه لفلسفة الوعي. استنادا لرأي هابرماس، المعاني لا تحددها علاقة المتكلم بالعالم الخارجي، بل علاقته بمحاوريه؛ فالمعنى في الأساس يوصف بأنه بين ذواتي، لا موضوعي، وليس علاقة ثنائية القطب بين الكلمات والأشياء.)
استنادا لرأي هابرماس، هناك أربعة عوامل لفهم معنى الكلام الملفوظ: (1)
إدراك معناه الحرفي. (2)
صفحه نامشخص