Guidelines for the Best Way to Make Friends
دلائل التوفيق لأصح طريق لجمع الصديق
ژانرها
صدره ويُبيَّنه له على لسانه، ثم يقرأه على الناس من غير أن ينسى منه شيئًا.
وهكذا يتبين لنا أن الله تعالى قد حفظ القرآن الكريم وهو في السماء، وحفظه وقت نزوله منها، وحفظه بعد نزوله إلى الأرض.
ولقد مر جمع القرآن بثلاث مراحل، وكان جمعه في مراحله جميعًا محفوظًا في الصدور مكتوبًا في السطور.
أما المرحلة الأولى: فكانت في عهد النبي ﷺ، وقد حرص ﷺ على حفظ القرآن الكريم، وقد جمعه الله له في صدره، كما اعتنى ﷺ بتعليمه أصحابه ورغبهم في حفظه واستظهاره واتَّخَذَ من صفوة حفَّاظهم كتّابًا للوحي يكتبون كلّ ما ينزل عليه بين يديه، وانتقل النَّبيُ ﷺ إلى الرفيق الأعلى ولم يُجمع القرآنُ كله في مكان واحد في حياته لا في صحف ولا في مصاحف، بل كُتب مفرقًا بين الرِّقَاع، وَالأَكْتَافِ، وَالْعُسُبِ ونحوها من أدوات الكتابة المستخدمة في هذا العهد المبارك، وكان حرصه ﷺ على عدم جمع القرآن بين دفتي صحيفة واحدة ترقبًا لتجدد الوحي وتتابع نزول شيء جديد منه حتى وفاته، فلو أنه رتبه أولًا بأول وجمع القرآن في مكان واحد بين دفتي مصحف واحد لحصل من جراء ذلك من المشقة والعنت ما لا يخطر ببال، ولأدى هذا الترتيب إلى حدوث تغيير وتبديل في موضع السور والآيات كلما نزل عليه ﷺ شيء جديد من الوحي، وفي هذا مالا يخفى من المشقة البالغة التي جاءت الشريعة الغراء برفعها ودفعها.
وأما المرحلة الثانية: فكانت في عهد أبي بكر الصديق ﵁،
ولقد ظل القرآن الكريم مفرقًا غير مجموع بين دفتي مصحف واحد، إلى أن آلت الخلافة إلى أبي بكر، وقامت حروب الردة، واستحرّ القتل بالقراء في وقعة اليمامة - سنة اثنتي عشرة للهجرة - التي قتل فيها سبعون قارئًا من حفاظ القرآن. فهالَ ذلك الأمر عمر بن الخطاب، وخشي أن يضيع شيء من القرآن بموت حفاظه وقرائه، فأشار على أبي بكر بجمع القرآن خشية ضياع شيء منه بقتل القراء والحفَّاظ، فكان هذا هو الدافع الرئيس لهذا الجمع، فقام الصديق بجمع ما كُتب مفرقًا في بين يدي رسول الله ﷺ من الرِّقَاع، وَالأَكْتَافِ، وَالْعُسُبِ، واللخاف، والأضلاع، والأقتاب، والأَلواحِ في مكان واحد، فكان جَمْعُهُ ﵁ هو نفس ما كتب في عهد النبوة مرتب الآيات والسور، لكنَّه جَمَعَهُ في مكان واحد بعد أن كان مفرقًا.
وأما المرحلة الثالثة: فكانت في عهد عثمان بن عفان ﵁.
ولقد اختلفت أسباب الجمع في عهده عن أسباب الجمع في عهد الصدِّيق-﵄؛ ولقد كان الصحابة يقرؤون القرآن على الأحرف السبعة التي أقرأهم عليها رسول الله ﷺ، إلى أن وقع الاختلاف بين القراء في الفتوحات زمن عثمان ﵁، ولمّا عظم الخطب أفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في
67 / 102