الوجه الرابع: الحديث دليل على طهارة مني الآدمي، وأن هدي النبي ﷺ فيه غسل رطبه وفرك يابسه، وهذا دليل على طهارته، وعدم نجاسته؛ لأن فرك الثوب منه يابسًا وصلاته فيه من غير غسل دليل على طهارته، وهذا المشهور عند الحنابلة والشافعية (^١).
وقالت الحنفية والمالكية: إن مني الآدمي نجس، ولا بد في طهارته من الماء، سواء أكان يابسًا أم رطبًا، وقالت الحنفية: رطبه لا بد فيه من الماء، ويابسه يطهره الفرك (^٢)، واستدلوا بحديث عائشة المذكور، وفي رواية: (كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله ﷺ، فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه).
ووجه الدلالة: أن الغسل لا يكون إلا عن نجس، والمقرر في الأصول، أن المضارع بعد لفظة (كان) يدل على المداومة والإكثار من ذلك الفعل - كما تقدم ـ، وهذا يشعر بتحتم الغسل.
وأجابوا عن أحاديث فرك المني بأجوبة غير ناهضة، كقولهم: إنه ليس من لازم الفرك الطهارة، وقولهم: إن الثوب الذي كانت عائشة تفركه هو ثوب النوم، وليس ثوب الصلاة، إلى غير ذلك مما ظاهره التكلف والتعسف.
كما استدلوا بأن المني خارج من أحد السبيلين، وكل خارج من سبيل فهو نجس.
قالت الحنفية: وكان القياس يقتضي غسل يابسه - أيضًا - لكونه نجسًا، ولكنه ترك للأحاديث الواردة في فركه دون غسله.
والراجح أن المني طاهر لقوة دليله، فإنه لو كان نجسًا لكان القياس وجوب غسله، كما تغسل سائر النجاسات، كالدم النجس وغيره دون الاكتفاء بفركه؛ لأن النجس لا يزيله من الثوب الفرك دون الغسل.