وهذا في غاية الرفق والحلم والرحمة، ويجمع ذلك كله الحكمة، فقد أنكر النبي ﷺ بالحكمة على هذا الأعرابي عمله، فقال له حينما قال: «اللَّهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا»: «لقد حجّرت واسعًا»، يريد ﷺ رحمة اللَّه، فإن رحمة اللَّه قد وسعت كل شيء، قال ﷿: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (١)، فقد بخل هذا الأعرابي برحمة اللَّه على خلقه.
وقد أثنى اللَّه ﷿ من فعل خلاف ذلك حيث قال: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ﴾ (٢).
وهذا الأعرابي قد دعا بخلاف ذلك، فأنكر عليه النبي ﷺ بالحكمة (٣).
وحينما بال في المسجد أمر النبي ﷺ بتركه؛ لأنه قد شرع في المفسدة، فلو منع ذلك لزادت المفسدة، وقد حصل تلويث جزء من المسجد، فلو منعه ﷺ بعد ذلك لدار بين أمرين:
١ - إما أن يقطع عليه بوله فيتضرّر الأعرابي بحبس البول بعد خروجه.
٢ - وإما أن يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه، أو ثوبه، أو مواضع أخرى من المسجد.
فأمر النبي ﷺ بالكفّ عنه للمصلحة الراجحة، وهي دفع أعظم المفسدتين أو الضررين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم