والله أسأل أن يكسبه دلًا معشقًا يكون به لداء القلوب محظيًا ويكسيه حسنًا ورونقًا حتى يكون بعيون العقول مرعيًا وللافهام مرضيًا وبه أستعين على سبيل الرشاد فيما نحوت فهو المعين بهدايته لتحقيق ما رجوت ولما انتهى بنا جواد قريحتنا إلى غاية البيان عن المراد وحاز قصب السبق في مضمار النطق بالسداد رأينا صوابًا أن نعقبه بذكر مقدمة في حض الانسان على الدأب في طلب المعالي ليظفر بالحظ الأوفر من الشرف المتعالي تكون أسالما قصدنا فيه التحرير والتحبير من الكشف عن ماهية الأخلاق وحقيقة معانيها وكيفية صورها ومبانيها بقول شاف وتلخيص كاف وهو مما اخترناه من كلام الحكماء الاعلام أولى البصائر والأحلام قالوا الخلق عادة للنفس يفعلها الانسان بلا روية وهي نوعان جميل محمود وقبيح مذموم والأخلاق المحمودة وإن كانت في بعض الناس غريزة فإن الباقين يمكن أن يصيروا إليها بالرياضة والألفة ويرتقوا إليها بالتدرب والعادة فإنهم وإن لم يكونوا على الخير مطبوعين صاروا به متطبعين والفرق بين الطبع والتطبع أن الطبع جاذب منفعل والتطبع مجذوب مفتعل تتفق نتائجهما مع التكلف ويفترق تأثيرهما مع الاسترسال وقد يكون في الناس من لا يقبل طبعه العادة الحسنة ولا الأخلاق الجميلة ونفسه مع ذلك تتشوف إلى المنقبة وتتأفف من المثلبة لكن سلطان طبعه يأباه عليه واستعصاؤه مع تكلف ما ندب إليه يختار العطل منها على التحلي ويستبدل الحزن على فواتها بالتسلي فلا ينفعه التأنيب ولا يردعه التأديب وسبب ذلك على ما قرره المتكلمون في الأخلاق أن طبع المطبوع أملك للنفس التي هي محله لاستيطانه إياها وكثرة إعانته لها والأدب طار على المحل غريب فيه قال الشاعر في ذلك
إذا كان الطباع طباع سوء ... فليس بنافع أدب الأديب
1 / 10