وفي الدليل على ما ذكرناه أن قول القائل افعل قد يتضمن الإيجاب كقوله تعالى
ﵟوأقيموا الصلاةﵞ
وقد يتضمن الاستحباب كقوله تعالى
ﵟوافعلوا الخيرﵞ
وقد يتضمن الإباحة كقوله تعالى
ﵟفإذا طعمتم فانتشرواﵞ
وقد يراد به التهديد كقوله تعالى
ﵟاعملوا ما شئتمﵞ
وإذا كان لفظ الأمر يتردد على هذه الوجوه فقد يقول افعل ويريد به الوجوب وقد يريد به التهديد وقد يريد به الاستحباب وقد يريد به الإباحة وقد يريد به النهي وصورة الحروف والأصوات واحدة ولو كان الأمر نفس اللفظ لما اختلف فعلم أن الإيجاب صفة قائمة للنفس يتميز بوصفه الخاص عن الاستحباب والإباحة والنهي والتهديد لم يقع التنبيه عليه بالعبارة والإشارة والكناية
فإن قيل ما ألزمتمونا ينعكس عليكم فإنكم جعلتم العبارة دلالة على ما في النفس ولا يجوز أن يكون دليل الإيجاب والاستحباب واحدا
قلنا التمييز يحصل بنفس والقرائن لا بنفس الأصوات والحروف القرائن عندهم ليس من الكلام
والدليل على إثبات كلام النفس من جهة الشرع قوله عز وجل
ﵟويقولون في أنفسهمﵞ
فأثبت قول النفس
وقوله صلى الله عليه وسلم ( رفع عن أمتي ما حدثت به أنفسهم )
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذروت في نفسي كلاما يوم السقيفة ويقول الرجل في العادة في نفسي كلام أريد أن أعرضه عليك
قال الأخطل
( إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
جعل اللسان على الفؤاد دليلا )
فثبت أن ما وراء العبارة والحروف كلاما
صفحه ۱۰۲