غذاء الألباب در شرح منظومه الآداب
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
ناشر
مؤسسة قرطبة
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
۱۴۱۴ ه.ق
محل انتشار
مصر
ژانرها
عرفان
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: قَوْلُهُ «فِي ذَنْبٍ هَيِّنٍ» أَيْ هَيِّنٍ عِنْدَهُمَا وَفِي ظَنِّهِمَا لَا أَنَّهُ هَيِّنٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ ﷺ «بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ» قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ وَأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى. أَوْ يُقَالُ: أَرَادَ ﷺ أَنَّهُ هَيِّنٌ تَرْكُهُ وَالتَّحَرُّزُ مِنْهُ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الرُّوحِ: «قَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ رَآهُمَا يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، يَمْشِي أَحَدُهُمَا بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَتْرُكُ الْآخَرُ الِاسْتِبْرَاءَ مِنْ الْبَوْلِ»، فَهَذَا تَرَكَ الطَّهَارَةَ الْوَاجِبَةَ. وَذَلِكَ ارْتَكَبَ السَّبَبَ الْمُوقِعَ لِلْعَدَاوَةِ بَيْنَ النَّاسِ بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا.
قَالَ وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُوقِعَ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ بِالْكَذِبِ وَالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ أَعْظَمُ عَذَابًا. كَمَا أَنَّ فِي تَرْكِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْبَوْلِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ الَّتِي الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ الْبَوْلِ بَعْضُ وَاجِبَاتِهَا وَشُرُوطِهَا فَهُوَ أَشَدُّ عَذَابًا. انْتَهَى. وَقَدْ أَبْدَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ نُكْتَةَ ذَلِكَ وَهِيَ مِمَّا يُكْتَبُ بِالذَّهَبِ عَلَى صَفَحَاتِ الْقُلُوبِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْإِنْسَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَقْضِي فِيهِ الْحَقُّ ﷻ الصَّلَاةُ وَالدِّمَاءُ.
وَالطَّهَارَةُ أَقْوَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمُقَدِّمَتُهَا، فَإِذَا لَمْ يَتَنَزَّهْ مِنْ الْبَوْلِ وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ مِنْهُ فَقَدْ فَرَّطَ فِي شَرْطِ الصَّلَاةِ. وَسَبَبُ وُقُوعِ النَّاسِ فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ وَإِرَاقَتِهَا بِغَيْرِ حَقِّ الْعَدَاوَةُ، وَمُقَدِّمَتُهَا النَّمِيمَةُ، فَإِنَّهَا سَبَبُ الْعَدَاوَةِ، وَعَذَابُ الْقَبْرِ مُقَدِّمَةُ عَذَابِ النَّارِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُقَدِّمَاتِ أَوَّلًا. فَانْظُرْ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ وَتَأَمَّلْهَا تَجِدْهَا فِي غَايَةِ الْمُطَابَقَةِ جَزَاءً وِفَاقًا.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ مَرْفُوعًا «لَيْسَ مِنِّي ذُو حَسَدٍ وَلَا نَمِيمَةٍ وَلَا كِهَانَةٍ وَلَا أَنَا مِنْهُ. ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٨]» .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ «خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ إذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ، وَشِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ» .
1 / 112