60

بجانب، فنعوذ بالله من تلبيس إبليس، فإن مثل هذه الحكايات تفسد عقائد العوام، فيظنون أن فعله من الصواب.

ويقول ابن القيم أيضا:

وإني لأتعجب من أبي حامد هذا كيف يأمر بهذه الأمور التي تخالف الشريعة! وكيف يحل لأحد أن يقوم على رأسه طوال الليل؟! وكيف يحل رمي المال في البحر فيما رواه عن الشبلي من أنه كان يرمي ما معه من الدنانير في الماء ويقول: ما أعزك عبد إلا أذله الله.

ثم يعقب ابن القيم بقوله:

كانت الزنادقة في العصر الأول يكتمون حالهم، ولم يتجاسروا على إظهار ما عندهم حتى جاءت الصوفية، فرفضوا الشريعة جهرا وتستروا بمسمى الحقيقة، وصاروا يقولون: هذا شريعة وهذا حقيقة، وهذا من أقبح الأمور؛ لأن الشريعة قد وضعها الله تعالى لصالح العباد في الدارين، فما الحقيقة بعد ذلك إلا إلقاء الشيطان في النفس، وقد تمادى هؤلاء الجهلة في غيهم حتى صار أحدهم يقول: حدثني قلبي عن ربي، وذلك تصريح بالاستغناء عن بعثة الرسل وهو كفر، وهي حكمة مدسوسة في الشريعة تحتها هذه الزندقة، ولكن قد صار الخروج عن الشريعة كثيرا بالسكوت على هؤلاء الجهال الذي سموا أنفسهم بالصوفية.

تلك هي خلاصة التهم التي وجهت إلى الغزالي، وتلك هي خلاصة الأقوال العنيفة التي وجهها إليه خصومه.

وهذا التراث الضخم الذي تركه الغزالي، وهذه الخصومة العنيفة التي أثارها ما كان ينبغي لها أن تمر دون أن يجد خصومه في آثاره ما يمسكونه به، وما يأخذونه عليه.

ولا جدال في أن الغزالي قد أسرف على نفسه، وأسرف على قرائه بتلك السبحات الصوفية التي تدل ظواهرها على ما يخالف ظواهر الشريعة الإسلامية.

ولا جدال أيضا في أن الغزالي كان يعلم حقيقة الشرع أكثر مما يعلم خصومه، وأنه كتب ما كتبه لفئة معينة من رجال التصوف ألزموا أنفسهم بألوان من العبادات والطاعات معينة، وحالات الإلزام الشخصية الاختيارية لا اعتراض عليها ما لم تؤد إلى الضرر العام.

ولكن قراء الغزالي وخاصة الجماهير لا تستطيع أن تميز بين ما أراده الغزالي للصوفية وبين ما يكتبه للناس جميعا.

صفحه نامشخص