الْعلم أرفع وَأفضل من سَائِر الْأَعْمَال الَّتِي يتَقرَّب بهَا إِلَى الله تَعَالَى لأدلة أَكثر من أَن تحصر وَأشهر من أَن تذكر كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وأولو الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ﴾ وَقَوله تَعَالَى ﴿إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء﴾ وَخبر الصَّحِيحَيْنِ أذ مَاتَ أبن آدم أنقطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جاريه أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ) وَخبر أبن حبَان وَالْحَاكِم فِي صَحِيحهمَا (أَن الْمَلَائِكَة لتَضَع أَجْنِحَتهَا لطَالب الْعلم رضَا بِمَا يصنع) وَخبر التِّرْمِذِيّ وَغَيره ٠ فضل الْعَالم على العابد كفضلي عَليّ أدناكم) وللأن أَعمال الطَّاعَة مَفْرُوضَة ومندوبه والمفروض افضل من الْمَنْدُوب وَالْعلم مِنْهُ لِأَنَّهُ إِمَّا فرض عين وَإِمَّا فرض كفايه وَقَالَ سُفْيَان مَا أعلم عملا أفضل من طلب الْعلم وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ طلب الْعلم أفضل من صَلَاة النَّافِلَة وَقَالَ بَعضهم
وكل فَضِيلَة فِيهَا سناء
وجدت الْعلم من هاتيك أَسْنَى ... فَلَا تَعْتَد غير الْعلم ذخْرا
فَإِن الْعلم كنز لَيْسَ يفنى
وَالْألف وَاللَّام فِي الْعلم وللإستغراق أَو للْجِنْس أَو للْعهد الذكرى أَو الذهنى أى الشَّرْعِيّ الصَّادِق بالتفسير والْحَدِيث وَالْفِقْه (وَهُوَ دَلِيل الْخَيْر والإفضال) أى أَن الْعلم دَلِيل الْخَيْر أى الْفَوْز بالسعادة الأخروية والافضال الانعام قَالَ ﷺ (من سلك طَرِيقا يطْلب فِيهِ علما سلك الله بِهِ طَرِيقا من طرق الْجنَّة) ثمَّ الْعلم يَنْقَسِم إِلَى فرض عين وَفرض كفايه وَقد شرع فِي ذكرهمَا مبتدئا بِالْأولِ مِنْهُمَا فَقَالَ ففرضه علم صِفَات الْفَرد (أَي أَن من فروض الْعين علم صِفَات الله تَعَالَى وَمَا يجب لَهُ وَيمْتَنع عَلَيْهِ كَكَوْنِهِ مَوْجُودا وَاحِدًا قَدِيما لَيْسَ بجسم وَلَا جَوْهَر وَلَا عرض وَلَا مُخْتَصّ بِجِهَة وَلَا مُسْتَقر على مَكَان حَيّ قَادر عليما مُرِيد سميع بَصِير بَاقِيا متكلما قديم الصِّفَات خَالِقًا أَفعَال الْعباد منزها عَن حُلُول الْحَوَادِث وَلَا يعْتَبر فِيهَا الْعلم بِالدَّلِيلِ بل يكفى فِيهَا الأعتقاد الْجَازِم (مَعَ كل مَا يَحْتَاجهُ الْمُؤَدِّي) أى الْمُكَلف بفرائض الله تَعَالَى (من فرض دين الله فِي الدَّوَام) أى فَرَائض الله تَعَالَى مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فعلهَا إِلَّا بِهِ (كالطهر) عَن الْحَدث بِوضُوء أَو غسل اَوْ تيَمّم والخبث مغلظا أَو متوسطا أَو مخففا وَالصَّلَاة وَالصِّيَام فَإِن من لَا يعلم أَرْكَان الْعِبَادَة وشروطها لَا يُمكنهُ أَدَاؤُهَا وَإِنَّمَا يتَعَيَّن تعلم الْأَحْكَام الظاهره دون الدقائق والمسائل الَّتِى لَا تعم بهَا الْبلوى وَخرج بقوله فِي الدَّوَام مَا لَا يجب فِي الْعُمر إِلَّا مرّة وَهُوَ الْحَج وَالْعمْرَة وَمَا لَا يجب فِي الْعَام إِلَّا مرّة وَهُوَ الزَّكَاة فَلَا يتَعَيَّن علم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي أَدَائِهَا إِلَّا على من وَجَبت عَلَيْهِ فَمن لَهُ مَال زكوى يلْزمه تعلم ظواهر أَحْكَام الزَّكَاة وَأَن كَانَ ثمَّ ساع يَكْفِيهِ الْأَمر فقد يجب عَلَيْهِ مَا لَا يُعلمهُ الساعى وكالفرض فِي مَا ذكره النَّفْل إِذا اراد فعله إِذْ تعاطى الْعِبَادَة الْفَاسِدَة حرَام (وَالْبيع للمحتاج للتبايع) فَيتَعَيَّن على متعاطى البيع وَالشِّرَاء تعلم أحكامهما حَتَّى يتَعَيَّن على الصَّيْرَفِي أَن يعلم عدم جَوَاز بيع الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ إِلَّا مَعَ الْحُلُول والمماثلة وَالْقَبْض قبل التَّفَرُّق وَلَا بيع أحداهما بِالْآخرِ إِلَّا مَعَ الْحُلُول وَالْقَبْض قبل التَّفَرُّق (وَظَاهر الْأَحْكَام فِي الصَّنَائِع) فَيتَعَيَّن تعلم ظَاهر الْأَحْكَام الْغَالِب فِيهَا على من يعانيها دون الْفُرُوع النادرة والمسائل الدقيقة حَتَّى يتَعَيَّن على الخباز أَن يعلم أَنه لَا يجوز بيع خبز الْبر بِالْبرِّ وَلَا بدقيقه وَيتَعَيَّن علم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي المناكحات وَنَحْوهَا (وَعلم دَاء للقلوب مُفسد) لَهَا ليحترز عَنهُ وَهُوَ علم
1 / 19