وفي لفظة «هو» أسرار عجيبة منها : أن العبد إذا قال : يا هو فكأنه يقول : ما للتراب ورب الأرباب؟ وما المناسبة بين المتولد من النطفة والدم وبين الموصوف بالأزلية والقدم؟ فلهذا ينادي نداء الغائبين ويقول : يا هو. ومنها أنه إذا قال : يا هو فقد حكم على كل ما سوى الله تعالى بأنه نفي محض ، لأنه لو حصل في الوجود شيئان لكان قوله «هو» صالحا لهما جميعا فلا يتعين النداء. ومنها إذا قال : يا رحمن فكأنه يتذكر رحمته أو يطلب رحمته ، وكذا إذا قال : يا كريم وغيره من الصفات. فأما إذا قال : «يا هو» فكأنه استغرق في بحر العرفان وفني عما سوى الذات. ومنها إذا قال : «يا هو» فكأنه يقول : أجل حضرتك أن أمدحك ، وأثني عليك بسلب نقائص المخلوقات عنك وهي صفات الجلال نحو : لا جسم ولا جوهر ولا عرض ولا في المحل ، أو بإسناد كمالات الممكنات إليك وهي صفات الإكرام ككونه مرتبا للموجودات على النحو الأكمل ، بل لا أمدحك ولا أثني عليك إلا بهويتك من حيث هي. ومنها أن هذا الذكر يفيد أن المنادي بسيط محض لا طريق إلى تصوره إلا بالإشارة العقلية. ومنها أن العبد كأنه دهش حتى ذهل عن كل ما يوصف به مالكه إلا عن هذه الإشارة. ولاختصاص هذا الذكر بهذه الأسرار ذكر الغزالي لا إله إلا الله توحيد العوام ، ولا إله إلا هو توحيد الخواص. وذلك أن قوله «لا هو» معناه كل شيء هالك ، وقوله «إلا هو» معناه إلا وجهه. ومن جملة الأذكار الشريفة : يا هو يا من لا هو إلا هو ، يا أزل يا أبد يا دهر يا ديهور يا من هو الحي الذي لا يموت. ولقد لقنني بعض المشايخ من الذكر : يا هو يا من هو هو يا من لا هو إلا هو يا من لا هو بلا هو إلا هو. فالأول فناء عما سوى الله ، والثاني فناء في الله ، والثالث فناء عما سوى الذات ، والرابع فناء عن الفناء عما سوى الذات.
* الحادي عشر في بقية مباحث الأسماء
اختلفوا في أسماء الله تعالى توقيفية أم لا. فمال بعضهم إلى التوقيف لأنا نصف الله تعالى بكونه عالما ولا نصفه بكونه طبيبا وفقيها ومستيقنا ، فلولا أن أسماءه توقيفية لوصف بمثلها وإن كان على سبيل التجوز. القائلون بعدم التوقيف احتجوا بأن أسماء الله تعالى وصفاته مذكورة بالفارسية والتركية وأن شيئا منها لم يرد في القرآن ولا في الأخبار ، مع أن المسلمين أجمعوا على جواز إطلاقها. والجواب أن عدم التوقيف في غير اللغة العربية لا يوجب عدمه في العربية ، وبأن الله تعالى قال : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) [الأعراف : 180] وكل اسم دل على صفات الكمال ونعوت الجلال كان حسنا ويجوز إطلاقه. والجواب أنه يجوز ولكن بعد التوقيف لم قلتم إنه ليس كذلك؟ والغزالي فرق بين
صفحه ۷۳