أريد به كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول : المراد بفرعون في قوله تعالى ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) [النازعات : 17] هو النفس.
الوجه الثاني : أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغريب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير. فالنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولا ليتقي به مواضع الغلط ، ثم بعد ذلك يتسع للتفهم والاستنباط. والغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة كقوله تعالى ( وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ) [الإسراء : 59] معناه آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها. فالناظر إلى ظاهر العربية يظن المراد أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء ، وما يدري بما ظلموا وإنهم ظلموا غيرهم أو أنفسهم. وما عدا هذين الوجهين فلا يتطرق النهي إليه ما دام على قوانين العلوم العربية والقواعد الأصلية والفرعية. واعلم أن مقتضى الديانة أن لا يؤول المسلم شيئا من القرآن والحديث بالمعاني بحيث تبطل الأعيان التي فسرها النبي صلى الله عليه وسلم ، والسلف الصالح مثل : الجنة والنار والصراط والميزان والحور والقصور والأنهار والأشجار والثمار وغيرها ، ولكنه يجب أن يثبت تلك الأعيان كما جاءت. ثم إن فهم منها حقائق أخرى ورموزا ولطائف بحسب ما كوشف فلا بأس ، فإن الله تعالى ما خلق شيئا في عالم الصورة إلا وله نظير في عالم المعنى ، وما خلق شيئا في عالم المعنى وهو الآخرة إلا وله حقيقة في عالم الحق وهو غيب الغيب ، وما خلق في العالمين شيئا إلا وله أنموذج في عالم الإنسان والله تعالى أعلم.
والتفسير أصله الكشف والإظهار وكذلك سائر تقاليبه. من ذلك : سفرت المرأة كشفت عن وجهها ، والسفر لأنه يكشف به عن وجوه الحوائج ، ومنه السرف لأنه يكشف به عن ماله حينئذ. والرفس لأنه يكشف عن عضوه وانكشاف حال المقيد في رسفانه واضح. فمن التفسير ما يتعلق باللغة ومنه ما يتعلق بالصرف أو النحو أو المعاني أو البيان إلى غير ذلك من العلوم كما أشرنا إلى ذلك في آخر المقدمة العاشرة ، ومنه أسباب النزول وذكر القصص والأخبار وغير ذلك. ونحن على أن نورد بعد القرآن مع الترجمة القراءة ثم الوقوف ثم أسباب النزول ثم التفسير الشامل لجميع ذلك ، ثم التأويل إن كان ، ولم نذكره في التفسير ونذكر منه ما هو أقرب إلى الإمكان والله المستعان. فلنشتغل بتفسير الفاتحة فنقول :
في البسملة مسائل :
الأولى : الجار والمجرور لا بد له من متعلق وليس بمذكور فيكون مقدرا وأنه يكون فعلا أو اسما فيه رائحة الفعل. وعلى التقديرين فإما أن يقدر مقدما أو مؤخرا نحو : أبدأ
صفحه ۶۱