ولو عد هذه المسألة من اللغة جاز ، لأنها غير قياس. والشيطان فعلان أو فيعال ، والرجيم فعيل بمعنى مفعول ، وكلاهما للمبالغة. فهذه مسائل.
وأما النحو ف «أعوذ» فعل فاعله ضمير المتكلم المستتر وهو أنا ، والمجموع جملة فعلية. وبالله متعلق به. وكذا من الشيطان الرجيم ، نحو سرت من البصرة إلى الكوفة. والرجيم صفة للشيطان معرف مثله ، وشيطان منصرف لأنه اسم جنس لا علم. فهذه مسائل.
** وأما البديع
الأخرى وهو الرحيم إذا ابتدأ القارئ بعد الاستعاذة بالبسملة ، وهو الأكثر ، مع أن أول القرآن أيضا البسملة واعتبار الاستعاذة هاهنا أولى ليكون تجنيسا خطيا وترصيعا.
وأما المعاني فأن نقول : إنما اختير المضارع على الماضي ليدل على الاستمرار والدوام. أي : شأني أني أعوذ ، كقولك : يشرب الخطيب. وإنما لم يقل : أنا أعوذ وأنا عائذ ، وإن كانت الجملة الاسمية تدل على الثبات ، لأن المراد أني على تجدد هذا القول مني لحظة فلحظة ثابت مستمر ، لا أن عوذي مستمر. ويمكن أن يقال : المراد أني أعوذ في حال القراءة لقوله تعالى ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ ) [النحل : 98] فتعين إيراد لفظ المضارع لأنه مشترك بين الحال والاستقبال. وإنما لم يقل «بالله أعوذ» ليفيد الحصر ، كما يقال في «بسم الله أبتدىء» لأن الاستعاذة هاهنا أهم امتثالا للأمر ، ولأنه لا يعوذ إلا بالانقطاع عن الغير والتبري عن سوى الحق جل ذكره ، فلا حاجة إلى التخصيص ولأنه موافق لما ورد في القرآن ( فاستعذ بالله ) [النحل : 98]. وإنما اختير اسم «الله» لأنه كالعلم والمقام مقام إحضار له في ذهن السامع بعينه ليكون أدل على انقطاعه عما سواه. وإنما ذكر «الشيطان» معرفا باللام الجنسي ليدل على هذه الحقيقة التي هي مادة كل شر ، ويشمل كل فرد منها ضرورة وجود الحقيقة في أي فرد يفرض. ولو أريد العهد أيضا جاز كما مر. ولو نكرت بأن قلت : «من شيطان رجيم» لم يفد العموم وإن قلت : «من كل شيطان» لأطلت ، والمقام مقام اختصار. وإنما وصف ب «الرجيم» لأن المقام مقام تأكيد وذم ، ولا ذم أبلغ من البعد عن حضرة من هو منشأ كل كمال ومصدر كل خير.
وأما البيان ، فإن قوله «أعوذ» معناه ألتصق. ولا ريب أن الالتصاق بالله محال لأن ذلك من شأن الأجسام. والمراد : ألتصق برحمة الله وفضله. فهو إذن مجاز لغوي. وفي نفس الالتصاق أيضا بعد تقدير الرحمة تجوز بعيد على ما لا يخفى. ولو أريد بالشيطان شيطان الإنس أيضا ويثبت كون اللفظ موضوعا لشيطان الجن فقد كان استعارة. وإذا قدرنا
صفحه ۵۶