في النظر هو الأصعب في نفس الأمر. وذلك من أذل دليل على حقية المنزل وصدق المنزل عليه وكيف لا وفيه نبأ الأولين وخبر الآخرين وحكم ما بين الخلائق أجمعين؟! قال صلى الله عليه وسلم في وصفه : «هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه. هو الذي لم ينته الجن إذ سمعته حتى قالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به. من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن ناظر به فلج ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم».
ولقد انتصب جم غفير وجمع كثير من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين والفضلاء المحققين والأئمة المتقنين في كل عصر وحين ، للخوض في تيار بحاره والكشف عن أستار أسراره والفحص عن غرائبه والاطلاع على رغائبه نقلا وعقلا وأخذا واجتهادا ، فتباينت مطامح هماتهم ، وتباعدت مواقع نياتهم ، وتشعبت مسالك أقدامهم وتفننت مقاطر أقلامهم ؛ فمن بين وجيز وأوجز ومطنب وملغز ، ومن مقتصر على حل الألفاظ ، ومن ملاحظ مع ذلك حظ المعاني والبيان ونعم اللحاظ ، فشكر الله تعالى مساعيهم وصان عن إزراء القادح معاليهم. ومنهم من أعرض عن التفسير وأقبل على التأويل ، وهو عندي ركون إلى الأضاليل وسكون على شفا جرف الأباطيل إلا من عصمه الله وإنه لقليل ، ومنهم من مرج البحرين وجمع بين الأمرين. فللراغب الطالب أن يأخذ العذب الفرات ويترك الملح الأجاج ، ويلقط الدر الثمين ويسقط السبج والزجاج.
وإذ وفقني الله تعالى لتحريك القلم في أكثر الفنون المنقولة والمعقولة كما اشتهر بحمد الله تعالى ومنه فيما بين أهل الزمان. وكان علم التفسير من العلوم بمنزلة الإنسان من العين والعين من الإنسان. وكان قد رزقني الله تعالى من إبان الصبا وعنفوان الشباب حفظ لفظ القرآن وفهم معنى الفرقان. وطالما طالبني بعض أجلة الإخوان وأعزة الأخدان ممن كنت مشارا إليه عندهم بالبنان في البيان والله المنان يجازيهم عن حسن ظنونهم ويوفقنا لإسعاف سؤلهم وإنجاح مطلوبهم أن أجمع كتابا في علم التفسير مشتملا على المهمات مبنيا على ما وقع إلينا من نقل الأثبات وأقوال الثقات ، من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين والفضلاء المحققين المتقدمين والمتأخرين جعل الله تعالى سعيهم مشكورا وعملهم مبرورا فاستعنت بالمعبود وشرعت في المقصود ، معترفا بالعجز والقصور في هذا
صفحه ۵