رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى وقت عثمان. ثم إن عثمان جمع الناس على مصحف واحد وحرف واحد ، ولذلك نسب المصحف إليه وجعل ذلك إماما.
واعلم أن القرآن كان مجموعا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ما أنزلت آية إلا وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يكتب له أن يضعها في موضع كذا من سورة كذا ، ولا نزلت سورة إلا وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكاتب أن يضعها بجنب سورة كذا. روي عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب فقال : ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا. وعن أنس قال : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وأبو زيد ، وزيد. قيل لأنس : من أبو زيد؟ قال : أحد عمومتي. غير أنهم لم يكونوا قد جمعوها فيما بين الدفتين ولم يلزموا القراء توالي سورها وذلك أن الواحد منهم إذا حفظ سورة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كتبها ، ثم خرج في سرية فنزلت في وقت مغيبه سورة ، فإنه كان إذا رجع يأخذ في حفظ ما ينزل بعد رجوعه وكتابته ويتتبع ما فاته على حسب ما يتسهل له ، فيقع فيما يكتبه تقديم وتأخير من هذا الوجه. وقد كان منهم من يعتمد على حفظه فلا يكتب على ما كان من عادة العرب في حفظ أنسابها وأشعار شعرائها من غير كتابة. ومنهم من كان كتبها في مواضع مختلفة من قرطاس وكتف وعسب ثقة منهم بما كانوا يعهدونه من جد المسلمين في حفظ القرآن ، فلا يرون بأكثرهم حاجة إلى مصحف ينظر فيه. فلما أن مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبيله ، وجند المهاجرون والأنصار أجنادا فتفرقوا في أقطار الدنيا واستحر القتل في بعضهم ، كما مر ، خيف حينئذ أن يتطرق إليه ضياع فأمروا بجمعه في المصحف.
صفحه ۲۸