وفي الحديث : «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» (1) ولا خلاف في أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، وأما الجن والشياطين فخلاف ذلك. قال صلى الله عليه وسلم في العظم : «إنه زاد إخوانكم من الجن» (2) وفي القرآن ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ) [الكهف : 50].
وأما كيفية الوسوسة فيروى أن عيسى عليه السلام دعا ربه أن يريه موضع الشيطان من بني آدم ، فأراه ذلك ؛ فإذا رأسه الحية واضع رأسه على قلبه فإذا ذكر الله خنس وأيس ، وإذا لم يذكره وضع رأسه على حبة قلبه. وقال صلى الله عليه وسلم : «لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات» (3) وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : «إن للشيطان لمة بابن آدم ، وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ثم قرأ صلى الله عليه وسلم ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ) [البقرة : 268] الآية ، فمن الخواطر ما هو أصل العادة ، ومنها ما هو أصل الشقاوة. وسبب اشتباه خطأ الخواطر بصوابها أحد أربعة أشياء : إما ضعف اليقين ، أو قلة العلم بصفات النفس وأخلاقها ، أو متابعة الهوى بخرم قواعد التقوى ، أو محبة الدنيا وجاهها ومالها. فمن عصم من هذه الأربعة يفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ، ومن ابتلى بها فلا. واتفق المحققون على أن من كان أكله من الحرام لا يفرق بين الإلهام والوسوسة وفرقوا بين هواجس النفس ووسوسة الشيطان بأن النفس تطالب وتلح ، فلا تزال كذلك حتى تصل إلى مرادها. والشيطان إذا دعا إلى زلة ولم يجب ، يوسوس بأخرى إذ مراده الإغواء كيف أمكن.
وحقيقة الوسوسة راجعة إلى أن الإنسان بينما هو ذاهل عن الشيء ذكره الشيطان ذلك فيحدث له ميل ، ويترتب الفعل على حصول ذلك الميل فكأن الذي أتى به الشيطان من خارج ليس إلا ذلك التذكير. وإليه الإشارة في القرآن حكاية عن إبليس ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ) [إبراهيم : 22] ، ولا يتسلسل هذا التذكير وإنما يقدم
صفحه ۲۰