النظام الذي اخترعه ، الكل منه وبه ، وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه ، إذا أمرك بالاستعاذة فاستعذ ، لأنه جعلها سببا لدفع الوساوس والهواجس. كما أنه إذا جعل الأكل والشرب سببا لدفع الجوع والعطش فإنك تأكل وتشرب ولا تقول ما الفائدة في الأكل والشرب إن كان الإشباع والإرواء من الله تعالى وإن كانا بقدرة الله تعالى. وبهذا التحقيق تسقط الاعتراضات المشهورة للجبرية والمعتزلة لأنها تحوم حول ما أشرنا إليه. ولا ينبئك على سر الاستعاذة مثل قوله صلى الله عليه وسلم : «
** اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ
بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
** البحث الثاني :
نوح : ( رب إني أعوذ بك أن أسئلك ما ليس لي به علم ) [هود : 47] ، فأعطي السلام والبركات في قوله : ( يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك ) [هود : 48] وقال يوسف : ( معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ) [يوسف : 23] ، فصرف عنه السوء والفحشاء ؛ وقال موسى : ( إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ) [غافر : 27] فأغرق الله تعالى عدوه وأورثه أرضهم وديارهم وأموالهم ؛ وقالت امرأة عمران : ( إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) [آل عمران : 36] (1) ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ) [آل عمران : 37]. وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم ( قل أعوذ برب الفلق ) [الفلق : 1] و ( قل أعوذ برب الناس ) [الناس : 1] فوقي شر النفاثات في العقد وكفي شر الوسواس الخناس.
** البحث الثالث :
الله التامة». أما البحث عن اسم الله فسيجيء في تفسير البسملة. وأما كلمات الله فالمراد بها المبدعات الصادرة عنه تعالى بكلمة ( كن ) [البقرة : 217 ؛ آل عمران : 47 و59 ؛ الأنعام : 73 ؛ النحل : 40 ؛ مريم : 35 ؛ يس : 82 ؛ غافر : 68] من غير مادة ومدة ، فكأن الأرواح البشرية تستعيذ وتستعين بالأرواح العلوية المقدسة في دفع شرور الأرواح الخبيثة. وإنما تحسن الاستعاذة بالكلمات إذا كان قد بقي في نظره التفات إلى ما سوى الله تعالى. وأما إذا تغلغل في بحر التوحيد لم يستعذ إلا بالله ومن الله كما قال صلى الله عليه وسلم : «أعوذ بك منك» ، وإذا فني عن نفسه وفني أيضا عن فناء نفسه قال : «
** أنت كما أثنيت على نفسك
** البحث الرابع :
تفسير غرائب القرآن / مجلد 1 / م 2
صفحه ۱۷