غرائب القرآن و رغائب الفرقان
غرائب القرآن و رغائب الفرقان
لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه. وأيضا كأن العبد يقول : الأحباب يدعونني إلى طريق ، والأعداء إلى طريق ثان ، والشيطان إلى ثالث. وكذا القول في الشهوة والغضب والاعتقادات والآراء ، والعقل ضعيف ، والعمر قصير ، والقضاء عسير ، فاهدني هذا الطريق السوي الذي لا أزيغ به. حكي عن إبراهيم بن أدهم أنه كان يسير إلى بيت الله ، فإذا أعرابي على ناقة له. فقال : يا شيخ إلى أين؟ فقال : إلى بيت الله. قال : كأنك مجنون ، لا أرى لك مركبا ولا زادا والسفر طويل! فقال إبراهيم : إن لي مراكب كثيرة ولكنك لا تراها. قال : وما هي؟ قال : إذا نزلت علي بلية ركبت مركب الصبر ، وإذا أسديت إلي نعمة ركبت مركب الشكر ، وإذا ألم بي القضاء ركبت مركب الرضا ، وإذا دعتني النفس إلى شيء علمت أن ما بقي من العمر أقل مما مضى. فقال الأعرابي : سر بإذن الله فأنت الراكب وأنا الراجل. وقيل : الصراط القرآن أو الإسلام وليس بشيء ، إذ يصير المعنى اهدنا صراط المتقدمين ، مع أنه لم يكن لهم قرآن ولا إسلام ، اللهم إلا أن يراد أصول هذه الشريعة وقوانينها كما قال ( فبهداهم اقتده ) [الأنعام : 90]. وعن علي كرم الله وجهه : ثبتنا على الهداية كقوله ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) [آل عمران : 8] فكم من عالم يزل ومهتد يضل. وفي اختيار لفظ الصراط دون الطريق أو السبيل ، تذكير للصراط الذي هو الجسر الممدود بين طرفي جهنم ، سهل الله تعالى علينا عبوره ووروده.
** الثانية :
، ولهذا قال بعض العلماء لتلميذه : إذا قلت قبل القراءة «رضي الله عنك ، وعن جماعة المسلمين» فإياك وأن تنساني في قولك «وعن جماعة المسلمين» فإن ذلك أوقع عندي من قولك «رضي الله عنك» ، لأن هذا تخصيص بالدعاء ويجوز أن لا يقبل ، وأما قولك «وعن المسلمين» فإنه أرجى لأنه لا بد أن يكون في المسلمين من يستحق الإجابة ، وإذا أجاب الله دعاء في البعض فهو أكرم من أن يرده في الباقي. ومن هنا ورد في السنة أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قبل كل دعاء وبعده ، لأن الدعاء في الطرفين مستجاب البتة لأنه في حق النبي صلى الله عليه وسلم فيستجاب الوسط بتبعية ذلك لا محالة. وأيضا قال صلى الله عليه وسلم : «ادعوا الله بألسنة ما عصيتموه بها». قالوا : يا رسول الله ، ومن لنا بتلك الألسنة؟ قال : يدعو بعضكم لبعض لأنك ما عصيت بلسانه وهو ما عصى بلسانك» وأيضا «الحمد لله» شامل لحمد جميع الحامدين ، و «إياك نعبد» لعبادة الجميع ، «وإياك نستعين» لاستعانة الكل ، فلا جرم لما طلب الهداية طلبها للكل كما طلب الاقتداء بالصالحين جميعا في قوله : «صراط الذين أنعمت عليهم» والفرار من الطالحين جميعا في قوله : «غير المغضوب عليهم ولا الضالين». وإذا كان كذلك في الدنيا
صفحه ۱۱۰