غرائب القرآن و رغائب الفرقان

نظام الدین نیشابوری d. 730 AH
104

يعبد الله لكونه إلها ولكونه عبدا له ، والإلهية توجب العزة والهيبة ، والعبودية تقتضي الخضوع والذلة ، وهذه أعلى الدرجات وتسمى بالعبودية وإليها الإشارة بقول المصلي : أصلي لله فإنه لو قال : أصلي لثواب الله أو هربا من عقابه فسدت صلاته. (يحكى) أن عابدا في بني إسرائيل اعتزل وعبد الله تعالى سبعين سنة ، فأرسل الله تعالى إليه ملكا فقال : إن عبادتك غير مقبولة فلا تشق على نفسك ولا تجاهد ، فأجاب العابد بأن الذي علي هو العبودية وإني لا أزال أفعل ما علي ، فأما القبول وعدم القبول فموكول إلى المعبود. فرجع الملك فقال الله : بم أجاب العابد؟ فقال : أنت أعلم يا رب ، إنه قال كذا وكذا. فقال الله تعالى : ارجع إليه وقل له : قبلنا طاعتك بسبب ثبات نيتك. والتحقيق أن إثبات نسبة الإمكان هو قصارى مجهود العابدين ونهاية مطامح أبصار العارفين. وفي العبادة انشراح صدور المؤمنين وإنها عاقبة حال المتقين. قال عز من قائل ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين. واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [الحجر : 97 99] ولأن العبودية أشرف المقامات. مدح الله تعالى نبيه في قوله ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) [الإسراء : 1] وافتخر عيسى بذلك أول ما نطق فقال : ( إني عبد الله ) [مريم : 30] وكان علي يقول : كفاني فخرا أن أكون لك عبدا وكفاني شرفا أن تكون لي ربا. اللهم إني وجدتك إلها كما أردت ، فاجعلني عبدا كما أردت. ومنهم من قال : العبودية أشرف من الرسالة ، فبالعبودية ينصرف من الخلق إلى الحق ، وبالرسالة ينصرف من الحق إلى الخلق ، وبالعبودية ينعزل عن التصرفات ، وبالرسالة يقبل على التصرفات ، ولهذا نال شرف التقدم في قول الموحد «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ( لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ) [النساء : 172].

** التاسع : في فوائد قوله «وإياك نستعين».

** الأولى :

بمرجح. ولو كان ذلك المرجح من عند العبد عاد التقسيم ، فلا بد أن ينتهي إلى الله تعالى. وأيضا كل الخلائق يطلبون طريق الحق مع استوائهم في القدرة والعقل والجد والطلب ، ولا يفوز به إلا بعضهم ، فليس ذلك إلا بإعانة الحق. وأيضا قد يطلب الإنسان حاجة من غيره ويدافعه مدة مديدة ثم يقضي حاجته ، فإلقاء تلك الداعية في القلب ليس إلا من الله ، فثبت أنه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ، ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله. وتظهر فائدة الاستعانة في أنه ربما جعل الله تعالى ذلك واسطة إلى نيل المطلوب كالشبع الحاصل عقيب أكل الطعام ونحوه ، فيسقط اعتراض الجبري والقدري فافهم.

صفحه ۱۰۶