غرائب المکتوبجی

سلیم سرکیس d. 1344 AH
34

غرائب المکتوبجی

غرائب المكتوبجي

ژانرها

فأروى منهما الدم توتة لم

تكن تسقى أرومتها المعينا

فحدت فاكتست ثوبا رثيثا

من الفرصاد بالبلوى ضمينا (29) السلطان لا يحتاج إليك

معلوم أن الجرائد الإفرنجية تضع أسماء الأعلام في مقالاتها الافتتاحية بحروف كبيرة ممتازة. ولما كنت أعلم أن الحكومة العثمانية لا ترضى إلا عن الذي يتزلف إليها ولو ضحك عليها، كتبت مقالة ذكرت فيها الطريقة الأوروبية، وقلت إن السلطان عبد الحميد يستحق أن يمتاز عن سواه، وأن إدارة الجريدة صنعت حرفا مخصوصا يمتاز عن الحروف العادية وقررت أن أنشر اسم السلطان بالحرف الممتاز حيثما ورد في الجريدة، واقترحت على سائر الجرائد أن تحذو حذوي، وأخذت المسودة بنفسي هذه المرة لعلي أنال رضى المكتوبجي، فلما قرأها أمرني بحذف المقالة المذكورة بدعوى أن السلطان لا يحتاج إلى مثل هذا الإكرام مني، قلت: إذن اضرب عليها بقلمك كما هي العادة في كل مقالة محذوفة، فأبى أن يفعل وقال: احذفها أنت وضع سواها محلها وأحضر نسخة ثانية لأضع توقيعي عليها؛ والسبب في ذلك أنه خاف أن يحذف مقالة تتضمن مدح السلطان، فاجتمعت بعزتلو طاهر بك مكاتب جريدة سعادت التركية في الآستانة وعرضت الأمر عليه، فسار إليه وتوسط في الأمر، فأبى أيضا حتى التزمت أن أفعل ما أمر به، ولكني أبقيت المقالة نحو شهر ثم نشرتها بدون عنوان فأمضى عليها، وهذا يدلك على أنه مستبد ولا يجري على قانون. (30) الحركة فيها بركة

طبع يوسف أفندي حرفوش كتابا في الأمثال باللغتين الفرنساوية والعربية، وورد في جملتها المثل الشهير: «الحركة فيها بركة»، فأمر بحذف المثل من الكتاب زاعما أن لفظة الحركة تفيد الثورة. (31) فكتوريا إمبراطورة الهند

نشرت النشرة الأسبوعية للمرسلين الأميركان في بيروت صورة جلالة ملكة إنكلترا، وكتبت تحتها: «فكتوريا ملكة إنجلترا وإمبراطورة الهند»، فحذف لقبها الأخير، ولما اعترض عليه الدكتور هنري جسب الأميركاني قال له: كيف تكون هذه الملكة المسيحية إمبراطورة على الهند وأهالي الهند من المسلمين؟! إلا أن الدكتور جسب نشر ما أراد ولم يخضع لأوامره. (32) التضييق على الأدوية

استدعاني المكتوبجي ذات يوم وقال لي: إنه لا يجوز نشر إعلان «مستحلب سكوت»، قلت: ولماذا؟ قال: إنه لا يجوز لك نشر كل إعلان عن دواء جديد من أوروبا، قلت: ولماذا؟ قال: لأن تلك الأدوية ربما كانت كاذبة لا تشفي من مرض، أو ربما كانت مسمومة، فيجب على صاحب العلاج قبل نشر إعلانه في الجريدة أن يعرض كمية منه على عزتلو نظام الدين بك مفتش صحة الولاية فيحللها وإذا لم يجد فيها ما يضر يأمر بنشرها. وهكذا جرى. (33) له السجود والمجد

نشرت جريدة البشير الكاثوليكية للآباء اليسوعيين في بيروت مقالة عن قداسة البابا، وورد فيها اسم السيد المسيح فأورده المحرر كما يأتي: «السيد المسيح له السجود والمجد»، فحذف المكتوبجي الألقاب وأبقاها هكذا «السيد المسيح»، فلما أعيدت المسودة على هذا الحال إلى الدير هرول حضرة الأب أنطون صالحاني مدير البشير إلى سراي الحكومة واعترض على المكتوبجي فأصر على أمره الأول، فدخل الأب صالحاني على دولة الوالي وكان في حضرته خليل أفندي سركيس صاحب «لسان الحال»، فعرض الأب المسودة على الوالي الذي استقدم المكتوبجي وسأله، فأجاب هذا أنه لا يسمح بنشر الألقاب. وإذ ذاك نظر الأب صالحاني إليه نظرة الغضب وصاح به: «اعلم يا هذا أن مائة ألف إنسان ماتوا شهداء من أجل هذا الاسم الذي لا تريد إكرامه.» فلما رأى الوالي أن الأمر اتصل إلى هذا الحد، التفت إلى سركيس أفندي وقال: أصلح بين الاثنين، فلم يجد سركيس أفندي بدا من التداخل فقال: أظن الأوفق أن نقسم الخلاف بينهما، فبدلا من أن نقول له السجود والمجد نكتفي بالمجد أو السجود، وقال للأب صالحاني: إن السيد المسيح لا يعتب علينا؛ فهو سبحانه لا تهمه الألقاب الفارغة. إلا أن الأب صالحاني أبى ذلك وانصرف، فنشر المقالة كما هي بعد أن أطلع عليها حضرة القاصد الرسولي وحضرات قناصل الدول جميعا، فخاف المكتوبجي ولم يستطع أن يعاقبه، لما علم أن الأمر اتصل بالقناصل، فكتم غيظه إلى حين آخر. (34) صورة المستر استيد

لما كنت في لندن عرفت المستر استيد محرر مجلة المجلات ومن مشاهير كتاب الإنكليز، فلما رجعت إلى بيروت نشرت في أعداد متتابعة في «لسان الحال» ترجمة حياته وكيف أمرت الملكة بسجنه وكيف هاجت نساء إنكلترا ودافعن عنه، وذكرت جريدته الجديدة المسماة «بوردرلاند» التي ذكر فيها أنه يخاطب أرواح الموتى، إلى غير ذلك من الأخبار التي تلذ للقراء ولا شيء فيها من السياسية، فأرسل إلي المستر استيد صورته على قطعة نحاس، ولما كان اسم الرجل قد اشتهر بين قراء سوريا وضعت رسمه في الجريدة، فحذفه المكتوبجي. ولما سألته عن السبب قال: إن هذا الرجل كان من نحو 11 سنة يحرر جريدة البال مال غازيت وكتب فيها ضد الدولة العثمانية، فلا أسمح لك أن تنشر صورته، وهكذا منعني عن نشرها، وربما نشرتها في المشير ليطلع عليها القراء ويروا أي ضرر يحصل من ذلك. (35) اختراعاتي

صفحه نامشخص