ولما كنت في المدرسة كنت كثيرا ما ألمس المنبوذين، ولما لم يكن من طبعي أن أكذب على والدي، فإن أمي كانت عندما أخبرها بأني لمست منبوذا تنصح لي بأن أقصر طريق لمحو النجاسة التي لحقتني من لمس المنبوذ هي أن ألمس أي رجل مسلم يلقاني في الطريق. وكنت أؤدي هذا العمل لا اعتقادا بأنه واجب ديني بل احتراما لأوامر والدتي.
ثم انتقلنا بعد ذلك إلى بلدة «بوريبندر» حيث شرعت في تعلم اللغة السنسكريتية، ولم أكن قد التحقت بعد بإحدى المدارس الإنجليزية، ولذلك كنت أنا وشقيقي في كفالة أحد البراهمة الذي علمنا هاتين الأدعيتين بالسنسكريتية: «إن الله كائن في الماء»
و«إن الله كائن في الأرض»
ولم أنس واحدة منهما إلى الآن.
وكانت امرأة عجوز تقيم بجوارنا، وكنت في تلك الأيام أخشى العفاريت كلما خيم الظلام وانطفأ المصباح، فلما عرفت العجوز بخوفي من الظلام نصحت لي أن أسرد أدعية خاصة تدعى «راما راكشا» فإذا سردتها تبددت الأرواح الشريرة. وقد استمعت لنصيحتها، وأفادني الاعتقاد، فصرت لا أخاف. ولم أعتقد أن في هذه الأدعية أي شيء يمكن أن يفهم منه أن لمس المنبوذين يعد خطيئة، ولم أكن أفهم هذه الأدعية، أو كنت أفهمها فهما ناقصا، ولكني كنت واثقا أن هذه الأدعية التي تصرف الشياطين والعفاريت لم يكن فيها أي شيء يتعلق بالخوف من لمس المنبوذين.
وكنا نقرأ أدعية «رامايانا» في أسرتنا ونواظب على قراءتها، وكان يأتي إلينا أحد البراهمة ويسردها. وكان هذا البرهمي مجذوما، ولكنه كان واثقا أنه إذا أدام تلاوتها فإنه يبرأ من الجذام. والواقع أنه برئ من مرضه. وكنت أتساءل في ذلك الوقت:
كيف يمكن أن يعد الرجل الذي نعتبره الآن منبوذا من الأنجاس الذين لا يصح لمسهم؟ إذا كانت «رامايانا» تقول إن واحدا منهم قد حمل «راما» فوق نهر الكونج على زورقه، إذ هل يعقل أن يعد مثل هذا الرجل منبوذا نجسا؟
ثم إننا ونحن نصلي نصف الله بأنه «مطهر الأنجاس» وهذا يدل على أنه من الخطأ أن نحسب إنسانا مولودا في الهندوكية من المنبوذين الأنجاس، لأن هذا الاعتقاد شيطاني. ومن ذلك الوقت وأنا لا أسأم من القول إن هذا الاعتقاد خطيئة كبرى. ولست أدعي بأن هذه العقيدة قد تبلورت في نفسي وأنا في الثانية عشرة، ولكني أقول إني في تلك السن كنت أعد النجاسة - أي اعتقاد طائفة من الناس بأنهم منبوذون - خطيئة. وأنا أذكر هذه القصة لإخواني الهندوكيين السنيين.
وأنا أعتبر نفسي هندوكيا من طائفة «سانا تاني» ولست أقصد بذلك أني لا أعرف كتبنا المقدسة القديمة، فإني وإن لم أكن عالما باللغة السنسكريتية علما عميقا، فإني قد قرأت هذه الكتب مترجمة وأستطيع أن أقول إني وقفت على روحها الصحيح. ولما بلغت الحادية والعشرين من عمري درست الأديان الأخرى، ومرت علي أوقات تأرجحت فيها بين الهندوكية والمسيحية، ولكن لما عاد إلي توازني الذهني شعرت أن خلاصي لا يكون إلا عن سبيل الديانة الهندوكية فازددت رسوخا في الإيمان بها كما ازددت نورا.
ولكني حتى هنا لا أعتقد أن النجاسة، أو وجود المنبوذين، هو جزء من الديانة الهندوكية.
صفحه نامشخص