ولن يربح شيئا ذلك الذي يقف على الشاطئ وقد خاف وتردد.»
قال أسقف مدراس في خطبة ألقاها في كنيسته: «إني أعلن في صراحة، وإن كان هذا يحزنني كثيرا، أني أرى في المستر غاندي ذلك الصبور المعذب من أجل الحق والرحمة ممثلا حقيقيا للمسيح أكثر من أولئك الذين ألقوا به في السجن، وهم الذين يسمون أنفسهم مسيحيين.»
وفي غاندي عطف عظيم على المنكوبين، وكثيرا ما قصد إلى المعابد، حيث يقعد المجذومون على درج المعبد للشحاذة، يعرضون قروحهم على الناس لاستدرار رحمتهم. فكان يقعد إلى المجذوم ويمسح قروحه بملابسه ويضمدها بيديه.
ومن هنا عطفه على المنبوذين فإنه لا يطيق أن يرد عليه البراهمة بأن الدين قد حكم بنجاستهم، إذ هو يرد عليهم بقوله: «يمكن إبليس على الدوام أن يستشهد بنصوص الكتب المقدسة، ولكن هذه الكتب لا يمكنها أن تتجاوز العقل والحق، تطهر الأول وتنير الثاني.» •••
قصد مائة من البغايا إلى غاندي يسألنه النصيحة، فقعد إليهن ساعتين يتحدث وإياهن عن الشقاء الذي يعانينه. وكان في تلميحهن، عندما يعجزن عن التصريح، ما كان يدرك غاندي مغزاه. وقال بعد ذلك: «إن هاتين الساعتين اللتين قضيتهما مع هؤلاء الأخوات هما الآن أكثر من الذكريات ... لقد حنيت رأسي في خزي عميق أمام هؤلاء الأخوات وسقوطهن.»
ثم يقول: «نحن الرجال يجب أن نحني الرءوس خزيا ما دام هناك امرأة واحدة قد أرصدناها لشهوتنا. وإني لأوثر أن ينقرض النوع البشري كله على أن نكون دون البهائم، حين نجعل أشرف ما خلقه الله غاية شهوتنا. وليس في جميع الشرور والمفاسد التي تقع تبعتها على الإنسان ما هو أسفل ولا أنذل ولا أوحش من هذا الاستغلال للنساء.» •••
ما رأي غاندي في الفنون الجميلة؟
يرى فيها ما يرى المصلح المشغول بتزويد الأمة بما يكفي مئونتها، ويرى فيها رأي الناسك الذي يقنع ببلغة العيش. وهو هنا يقول: «يكفيني من غرفتي أربعة جدران، ولا أكاد أحتاج إلى سقف فوقها، وحسبي أن أنظر إلى قبة السماء وأرى النجوم منتثرة فيها فأمتع عيني بجمالها الذي لا يفنى، فإن هذا عندي يعلو على جميع الفنون الإنسانية في الجمال. ولست أعني أني أتجاهل قيمة الأعمال الفنية، ولكني عند المقابلة بجمال الطبيعة أشعر شعورا عميقا بأنها غير حقيقية.»
ثم يقول: «إني أعترف بأني لا أستطيع أن أجد في أحد الرسوم ما يثير في نفسي ذلك الشعور بالعجب والسمو كما أجد عندما أتأمل السماء بنجومها. أليست جميع الأعمال الإنسانية تافهة بجانب أعمال الله الغنية العظيمة التي تغمر الكون؟»
ثم يقول هذا الناسك: «إن الحياة أعظم، ويجب أن تكون أعظم، من جميع الفنون. بل إني أذهب إلى أبعد من ذلك وأصرح بأن الإنسان الذي تقرب حياته من الكمال هو الفنان الأعظم، إذ ما معنى الفن إذا لم يقم على أساس الحياة الشريفة وهيكلها؟»
صفحه نامشخص