كانت الديانة الهندوكية شؤما على الهنود، فإنها أذلتهم أكثر مما أذلهم الإنجليز، وأقامت لهم نظاما اجتماعيا جامدا لا يمكن تنقيحه إلا بمخالفة الدين. ويرجع هذا الدين إلى حوالي سنة 700 قبل الميلاد وله كتب مقدسة وآلهة وصوفية لا تختلف كثيرا من الصوفيات التي تفشت في جميع الأديان الأخرى إلا من حيث الإيمان الراسخ بالتقمص.
ولكن محور الهندوكية ليس صوفيا أو لاهوتيا وإنما هو اجتماعي. فإن الهندوكي يطلب منه، قبل كل شيء، الإيمان بانفصال الطبقات وقدسية البراهمة أو الكهنة. والهندوكية هي أبعد الأديان عن الديمقراطية، وبدلا من أن تعمل للمساواة بين البشر، كما هو الشأن في المسيحية أو الإسلام، تفصل الأمة أربع طبقات هي: (1)
طبقة البراهمة أي الكهنة. (2)
طبقة الكشائرية أي رجال الحرب. (3)
طبقة الفايسية أي رجال التجارة. (4)
طبقة السودرا أي الفلاحين.
ويقول المؤرخون في أصل هذه الطبقات إن الآريين الذي أغاروا على الهند قبل نحو 3000 سنة أو أكثر كانوا بيض الوجوه، فخافوا الاختلاط بالسكان الأصليين وأسسوا نظام الطبقات هذا لكي يمنعوا التزاوج بينهم وبين هؤلاء السكان. على نحو ما نجد في الولايات المتحدة الآن حيث الكراهية شديدة عند البيض للسود، وقد خصوا السكان الأصليين بالمهن الحقيرة مثل فلاحة الأرض. ثم أخذت هذه الطبقات الأربع تنقسم وتتفرع حتى أصبح الآن في الهند نحو 2500 طبقة، أدونها طبقة المنبوذين وهم من السودرا، وأعلاها طبقة البراهمة أي الكهنة. ولكن إذا كان في هذا التحليل التاريخي شيء من الصحة فإن الواقع المشاهد الآن يثبت أن الهنود جميعهم يمتازون بسحنة واحدة، سواء منهم البراهمة أو المنبوذون. وهذا يدل على اختلاط الدم على الرغم من التحريم الذي نصت عليه الهندوكية.
والبرهمي يمتاز بامتيازات خاصة، فإنه لا يجوز الزواج أو الدفن أو القيام بأي احتفال إلا إذا كان ذلك بواسطته. وعندما يرتكب الهندوكي ذنبا فإن عليه أن يكفر بإطعام البراهمة وتقديم القرابين لمعابدهم.
والهندوكيون على وجه عام لا يأكلون اللحم كثيرا، وهم يحجمون عنه لأن الصوفية، وليس الديانة الهندوكية، تجعل الإنسان والحيوان واحدا، وتقول بالتقمص. وهناك طوائف لا تذوق اللحم بتاتا، ومن هؤلاء الطائفة التي ينتمي إليها غاندي. ولكن جميع الهندوكيين يقدسون البقرة ولا يذبحونها. فإذا شاخت تركوها حتى تموت حتف أنفها، أو حتى يفترسها وحش في الحقل. وكثير من الشقاق بين المسلمين والهندوكيين يعود إلى ذبح المسلمين للبقرة التي يقدسها الهندوكي ويتبرك ببولها. ويحكى عن أمير هندوكي حضرته الوفاة فطلب أن تحمل له بقرة إلى جنب سريره لكي يمسك بذنبها حتى يموت، وتم له ذلك.
وقد أدى تقسيم الأمة إلى طبقات أن صارت المهن وراثية، وانتهى هذا التقسيم إلى نظام اقتصادي جامد. فإن المنبوذين الذين يبلغون نحو خمسين مليونا يحترفون كسح الكنف وكنس الشوارع والقليل من الزراعة، مع أنه لا يجوز لهم أن يمتلكوا أرضا. والمنبوذ هو والمرأة سواء في الديانة الهندوكية من حيث حرمانهما من الميراث.
صفحه نامشخص