غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
ژانرها
اجلس هنا! فأنا أرغب في الجلوس بجوار السائق.» لم أستطع تحمل هذه الإهانة، فأجبته وأنا أرتجف من الخوف: «ألم تطلب مني الجلوس هنا مع أنه من حقي الجلوس داخل العربة؟ وقد تغاضيت عن إهانتك. والآن تطلب مني أن أجلس مكان موطئ الأقدام لمجرد أنك ترغب في تدخين السيجار، لن أستجيب لمثل هذا الطلب، لكن يمكنك الجلوس بجانب السائق إذا تركتني أجلس داخل العربة.»
وبينما أنا أقذف بهذه الجمل، إذ بقائد العربة يدنو مني وبدأ يصفعني على أذني صفعا شديدا، وأمسك بذراعي وحاول أن يجرني. ولكنني تمسكت بعارضة نحاسية في العربة، ولم أتركها مع أن عظام رسغي كادت أن تكسر. كان الركاب يشاهدون القائد وهو يسبني ويجرني ويتعدى علي بالضرب، وأنا راسخ في مكاني. وكان قائد العربة قوي البنية وكنت هزيلا، الأمر الذي دفع بعض الركاب إلى الشفقة علي، فصرخوا فيه قائلين: «دعه وشأنه، فليس الخطأ خطأه بل معه كل الحق. فإن لم يكن في وسعه الجلوس بجانب السائق، فدعه يدخل إلى العربة ويجلس معنا.» فصرخ القائد: «بالطبع لن أسمح بذلك.» إلا أنه بدا عليه الخجل وتوقف عن ضربي. فترك ذراعي وأخذ يسبني قليلا، ثم طلب من الخادم الذي ينتمي للهوتنتوت
2
والذي كان يجلس على الجانب الآخر من المقعد أن يجلس مكان موطئ الأقدام وجلس هو مكانه.
عاد الركاب إلى مقاعدهم وانطلقت الصفارة إيذانا بانطلاق العربة التي اندفعت مسرعة. كان قلبي يخفق بشدة، وكنت أتساءل هل سأصل إلى وجهتي حيا. كان قائد العربة يرمقني بنظرة غاضبة من حين إلى آخر، ثم أشار إلي بأصبعه وقال غاضبا: «احذر، سأريك ما سأفعله بك عندما نصل إلى ستاندرتون.» وجلست في مكاني صامتا ودعوت الإله كي ينجيني.
عندما وصلنا إلى ستاندرتون كان الليل قد أسدل ستائره، وتنهدت مستبشرا عندما رأيت بعض الهنود، وما إن نزلت عن العربة، حتى أتاني هؤلاء الأصدقاء قائلين: «نحن هنا لاستقبالك واصطحابك إلى محل عمل السيد عيسى حاجي سومار بناء على البرقية التي أرسلها السيد دادا عبد الله.» كنت حينها في غاية السرور، وعند وصولي إلى محل عمله، تجمع حولي السيد عيسى والعاملون لديه، فأخبرتهم بما مررت به أثناء رحلتي، فشعروا جميعا بشديد الأسف، وحاولوا مواساتي برواية تجاربهم المريرة.
كتبت إلى وكيل شركة العربات أشكو إليه مما حدث وأخبرته بتفاصيل الواقعة، ووجهت انتباهه إلى التهديد الذي وجهه لي قائد العربة، وطلبت منه أن يضمن لي أن يدخلني مع غيري من الركاب داخل العربة عند تحركنا في اليوم التالي. فجاءني رد الوكيل: «سوف تستقلون من ستاندرتون عربة أكبر حجما وسيتولى مسئولية العربة أشخاص آخرون، ولن يكون الشخص الذي شكوت منه في العربة غدا، وستحصل على مقعدك داخل العربة مع غيرك من الركاب.» أراحني هذا الرد إلى حد بعيد، وبالطبع لم أكن أنوي مقاضاة قائد العربة الذي تعدى علي، وهكذا انتهى مشهد الاعتداء عند هذا الحد.
في اليوم التالي، اصطحبني أحد رجال السيد عيسى إلى العربة، حيث حصلت على مقعد مريح، ووصلت إلى جوهانسبرج في تلك الليلة بسلام.
كانت ستاندرتون قرية صغيرة، أما جوهانسبرج فكانت مدينة كبيرة. أرسل السيد عبد الله برقية إلى أصدقائه في جوهانسبرج أيضا، وأعطاني اسم وعنوان مؤسسة السيد محمد قسام قمر الدين، وأتى أحد العاملين بالشركة لاستقبالي بالمحطة، لكنني لم أره ولم يتمكن هو من التعرف إلي، فقررت الذهاب إلى أحد الفنادق، فقد كنت أعرف أسماء كثير منها. فركبت في عربة أجرة وطلبت من السائق توصيلي إلى فندق «جراند ناشونال»، حيث قابلت مدير الفندق وطلبت حجز غرفة. أخذ المدير يتفحصني بعينه للحظة، ثم قال بلطف: «أنا في غاية الأسف ، لا توجد لدينا غرف شاغرة.» ثم استأذن وانصرف. فطلبت من سائق العربة أن يقلني إلى شركة السيد محمد قسام قمر الدين، وهناك وجدت في انتظاري السيد عبد الغني الذي رحب بي بحفاوة، ولقد تملكه الضحك عندما سمع بما حدث لي في الفندق، وقال لي: «كيف خيل لك أنه يمكن قبول إقامتك في فندق؟»
فسألته: «ولم لا؟»
صفحه نامشخص