فلما سمعت زينب ذلك نهضت نهضة الأسد، وتعلقت بالغلام واعتنقته وقالت: والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه.
فنظر ابن زياد إليه وإليها ساعة ثم قال: عجبا للرحم! والله إني لأظنها ودت أني قتلتها معه. دعوه. ثم قام من مجلسه حتى خرج من القصر ودخل المسجد فصعد المنبر فقال: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب وشيعته.
فقام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي، وكان من شيعة علي فقال له: يا عدو الله إن الكذاب أنت وأبوك، والذي ولاك وأبوه. يا ابن مرجانة، أتقتل أولاد النبيين وتقوم على المنبر مقام الصديقين؟!
فقال ابن زياد: علي به.
فأخذه الجلادون ثم قتلوه، وكان قتله قاضيا على المجاهرة بنصرة أهل البيت.
أما سلمى فإنها لم تفتر لحظة عن التفرس في وجوه الناس، والتسمع لما يصل إليها من أحاديثهم لعلها تسمع شيئا عن عبد الرحمن أو عامر، فلم تقف لهما على أثر، ولم تكن قادرة على الخروج إلى المدينة للبحث عنهما؛ لأنها معدودة من جملة نساء زينب، ولا بد من إرسالها معهن مخفورة إلى دمشق، ولم يكن لها أمل في بقاء عبد الرحمن لو لم تسمع الناسك يؤكد بقاءه، وكانت قد حملت قوله محمل التشجيع لها فلم تصدقه، ولكن الإنسان مفطور على التعلق بحبال الآمال ولو كانت أوهن من نسيج العنكبوت.
أما ابن زياد فأمر برأس الحسين فداروا به في سكك الكوفة على رمح، ولم يبق أحد إلا رآه، وفيهم من شمت بموته، وهم قليلون، ولكن أكثرهم ودوا لو أنهم لم يقتلوه.
الفصل العشرون
في دمشق الشام
وبعد أن طافوا بالرأس في أسواق الكوفة أمر يزيد جماعة من رجاله أن يحملوا رأس الحسين ورءوس أصحابه ومن بقي من أهل بيت الحسين إلى دمشق ليرى رأيه فيهم، فحملوا الأحمال وقاموا يطلبون الشام، وسلمى في جملة الأسرى لا تفارق زينب وسكينة وفاطمة، وكانت تعزية كبرى لهن، ولم يكن عالما بحالها إلا زينب، ولكن مصابها شغلها عن التحدث معها عن عبد الرحمن وعامر، ولم تجرؤ سلمى على فتح ذلك الحديث.
صفحه نامشخص