وأما أبو عامر بن الأمير بن هود: فهو مع مشاركته لهؤلاء في العلم الرياضي منفرد دونهم بعلم المنطق والعناية بالعلم الطبيعي والعلم الإلهي.
وكان عبد الرحمن بن إسماعيل بن بدر المعروف بالإقليدس الأندلسي متقدما في علم الهندسة معتنيا بصناعة المنطق، وموسى بن ميمون الإسرائيلي الأندلسي قرأ علم الأوائل، وأحكم الرياضيات، وشد أشياء من المنطقيات، وأبو بكر بن الصانع المعروف بابن باجة عالما بعلوم الأوائل لم يبلغ أحد درجته من أهل عصره في مصره، وله تصانيف في الرياضيات والمنطق والهندسة أربى فيها على المتقدمين، قال القفطي: إلا أنه يتمسك بالسياسة المدنية، وينحرف عن الأوامر الشرعية، استوزره أبو بكر يحيى بن تاشفين مدة عشرين سنة، وكانت وفاته في سنة 533.
وممن اعتنى بصناعة المنطق خاصة من سائر الفلسفة: أبو محمد بن حزم القرشي، وكان أبوه أحد العظماء من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر، ووزر لابنه المظفر، وكان ابنه أبو محمد وزيرا أيضا لعبد الرحمن المستظهر بالله، ثم نبذ هذه الطريقة، وأقبل على قراءة العلوم، وتقييد الآثار والسنن، وعني بعلم المنطق.
ومنهم أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده الأعمى، وكان أبوه أيضا أعمى، عني بعلوم المنطق عناية طويلة، وألف فيها تأليفا كبيرا ذهب فيه إلى مذهب متى بن يونس، وهو بعد هذا أعلم أهل الأندلس قاطبة بالنحو واللغة والأشعار، وله في اللغة تواليف جليلة؛ منها: المحكم، والمحيط الأعظم، والمخصص، وشرح إصلاح المنطق، وشرح كتاب الحماسة 458.
ومن أعاجيب النوابغ الأندلسيين الذين فقدوا بصرهم ولم يفقدوا بصيرتهم: ابن الحناط الكفيف، الذي قال فيه ابن حيان: إنه كان أوسع الناس علما بعلوم الجاهلية والإسلام، بصيرا بالآثار العلوية، عالما بالأفلاك والهيئة، حاذقا بالطب والفلسفة، ماهرا في العربية واللغة والآداب الإسلامية، وسائر التعاليم الأوائلية.
والداعشني ضعيف البصر متوقد الخاطر، فقرأ كثيرا في حال عشاه، ثم طفئ نور عينيه بالكلية فازداد براعة، ونظر في الطب بعد ذلك فأنجح علاجا، وكان ابنه يصف له مياه الناس المستفتين عنده فيهدي منها إلى ما لا يهتدي البصر، ولا يخطئ الصواب في فتواه ببراعة الاستنباط، وتطيب عنده الأعيان والملوك والخاصة، فاعترف له بمنافع جسيمة.
وأما العلم الطبيعي والعلم الإلهي فلم يعن أحد من أهل الأندلس بهما كبير عناية، ومن المشتغلين بهما: ابن النباش التيجان، وأبو عامر بن الأمير بن هود، وأبو الفضل بن حسداي الإسرائيلي، وأما صناعة الطب: فلم يكن بالأندلس من استوعبها، ولا لحق بأحد من المتقدمين فيها، وأول من اشتهر منهم بالأندلس أحمد بن إياس من أهل قرطبة، وحمد بن عبد الله الأوسط ويعرف بالحراني، ومنهم: يحيى بن إسحاق أحد وزراء الناصر لدين الله، وسعيد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد ربه مولى الأمير هشام الرضي بن عبد الرحمن الداخل، وهو ابن أخي أحمد بن محمد بن عبد ربه الشاعر صاحب العقد، وكان له بصر بحركات النجوم ومهاب الرياح وتغيير الأهوية.
ومنهم: عمر بن بريق، وأصبغ بن يحيى، وأحمد بن حكم بن حفصون، وكان هذا طبيبا نبيلا ودقيق النظر بالمنطق مشرفا على كثير من علوم الفلسفة.
ومنهم: محمد بن تمليخ، وأبو محمد بن الحسين المعروف بابن الكناني كان عالما بالطب حسن العلاج.
ومنهم: عبد الملك الثقفي كان عالما بالطب والهندسة، وكان الطب أغلب عليه.
صفحه نامشخص