فتوحات مکیه
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
ناشر
دار إحياء التراث العربي
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
1418هـ- 1998م
محل انتشار
لبنان
كأنما الطير منهم فوق أرؤسهم . . . لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال يتعلم العارفون منه حال المراقبة قال ورأيت ملكا يدعى بالرادع مهيب المنظر لطيف المخبر شديد الغيرة دائم الفكرة فيما كلف النظر فيه إذا رأى أحدا يخرج عن طريق الحق رده إلى الحق قال صحبته وانتفعت به وجالست من ملوكهم كثيرا ورأيت منهم من العجائب مما يرجع إلى ما عندهم من تعظيم الله ما لو سطرناه لأعيا الكاتب والسامع فاقتصرنا على هذا القدر من عجائب هذه الأرض ومدائنها لا تحصى كثرة ومدائنها أكثر من ضياعها وجميع من يملكها من الملوك ثمانية عشر سلطانا منهم من ذكرنا ومنهم من سكتنا عنه ولكل سلطان سيرة وأحكام ليست لغيره قال وحضرت يوما في ديوانهم لأرى ترتيبهم فمما رأيت أن الملك منهم هو الذي يقوم برزق رعيته بلغوا ما بلغوا فرأيتهم إذا استوى الطعام وقف خلق لا يحصى عددهم كثرة يسمونهم الجباة وهم رسل أهل كل بيت فيعطيه الأمين من المطبخ على قدر عائلته ويأخذه الجابي وينصرف وأما الذي يقسمه عليهم شخص واحد لا غير له من الأيدي على قدر الجباة فيغرف في الزمن الواحد لكل شخص طعامه في وعائه وينصرف وما فضل من ذلك يرفع إلى خزانة فإذا فرغ منهم ذلك القاسم دخل ملك شخص حسن الهيئة هو على الخزانة يدعونه الخازن بيده جميع ما يملكه ذلك الملك ومن شرعهم أنه إذا ولاه ليس له عزله ورأيت فيهم شخصا أعجبتني حركاته وهو جالس إلى جانب الملك وكنت على يمين الملك فسألته ما منزلة هذا عندكم فتبسم وقال أعجبك قلت له نعم قال هذا المعمار البذي يبني لنا المساكن والمدن وجميع ما تراه من آثار عمله ورأيت في سوق صيارفهم أنه لا ينتقد لهم سكتهم إلا واحد في المدينة كلها وفيما تحت يد ذلك الملك من المدن قال وهكذا رأيت سيرتهم في كل أمر لا يقوم به إلا واحد لكن له وزعة وأهل هذه الأرض أعرف الناس بالله وكل ما أحاله العقل بدليله عندنا وجدناه في هذه الأرض ممكنا قد وقع وإن الله على كل شيء قدير فعلمنا أن العقول قاصرة وأن الله قادر على جمع الضدين ووجود الجسم في مكانين وقيام العرض بنفسه وانتقاله وقيام المعنى بالمعنى وكل حديث وآية وردت عندنا مما صرفها العقل عن ظاهرها وجدناها على ظاهرها في هذه الأرض وكل جسد يتشكل فيه الروحاني من ملك وجن وكل صورة يرى الإنسان فيها نفسه في النوم فمن أجساد هذه الأرض لها من هذه الأرض موضع مخصوص ولهم رقائق ممتدة إلى جميع العالم وعلى كل رقيقة أمين فإذا عاين ذلك الأمين روحا من الأرواح قد استعد لصورة من هذه الصور التي بيده كساه إياها كصورة دحية لجبريل وسبب ذلك أن هذه الأرض مدها الحق تعالى في البرزخ وعين منها موضعا لهذه الأجساد التي في الجنة يسمى السوق ونحن نبين لك مثال صورة امتداد الطرف الذي يلي العالم من هذه الأرض وذلك أن الإنسان إذا نظر إلى السراج أو الشمس والقمر ثم حال بأهداب أجفانه بين الناظر والجسم المستنير يبصر من ذلك الجسم المستنير إلى عينيه شبه الخطوط من النور تتصل من السراج إلى عينيه متعددة فإذا رفع تلك الأهداب من مقابلة الناظر قليلا قليلا يرى تلك الخطوط الممتدة تنقبض إلى الجسم المستنير فالجسم المستنير مثال للموضع المعين من هذه الأرض لتلك الصور والناظر مثال العالم وامتداد تلك الخطوط كصور الأجساد التي تنتقل إليها في النوم وبعد الموت وفي سوق الجنة والتي تلبسها الأرواح وقصدك إلى رؤية تلك الخطوط بذلك الفعل من إرسال الأهداب الحائلة بين الناظر والجسم النير مثال الاستعداد وانبعاث تلك الخطوط عند هذه الحال انبعاث الصور عن الاستعداد وانقباض الخطوط إلى الجسم النير عند رفع الحائل رجوع الصور إلى تلك الأرض عند زوال الاستعداد وليس بعد هذا البيان بيان وقد بسطنا القول في عجائب هذه الأرض وما يتعلق بها من المعارف في كتاب كبير لنا فيها خاصة انتهى الجزء الحادي عشر .
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب التاسع في معرفة وجود الأرواح المارجية النارية
مرج النار والنبات فقامت . . . صورة الجن برزخا بين شيئين
بين روح مجسم ذي مكان . . . في حضيض وبين روح بلا أين
فالذي قابل التجسم منها . . . طلب القوت للتغذي بلامين
صفحه ۱۸۲