فتوحات مکیه
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
ناشر
دار إحياء التراث العربي
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
1418هـ- 1998م
محل انتشار
لبنان
يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن . . . وإن لقيت معديا فعدناني ومن ذلك التعجب والضحك والفرح والغضب التعجب إنما يقع من موجود لا يعلم ذلك المتعجب منه ثم يعلمه فيتعجب منه ويلحق به الضحك وهذا محال على الله تعالى فإنه ما خرج شيء عن علمه فمتى وقع في الوجود شيء يمكن التعجب منه عندنا حمل ذلك التعجب والضحك على من لا يجوز عليه التعجب ولا الضحك لأن الأمر الواقع متعجب منه عندنا كالشاب ليست له صبوة فهذا أمر يتعجب منه فحل عند الله تعالى محل ما يتعجب منه عندنا وقد يخرج الضحك والفرح إلى القبول والرضى فإن من فعلت له فعلا أظهر لك من أجله الضحك والفرح فقد قبل ذلك الفعل ورضي به فضحكه وفرحه تعالى قبوله ورضاه عنا كما أن غضبه تعالى منزه عن غليان دم القلب طلبا للانتصار لأنه سبحانه يتقدس عن الجسمية والعرض فذلك قد يرجع إلى أن يفعل فعل من غضب ممن يجوز عليه الغضب وهو انتقامه سبحانه من الجبارين والمخالفين لأمره والمتعدين حدوده قال تعالى وغضب عليه أي جازاه جزاء المغضوب عليه فالمجازي يكون غاضبا فظهور الفعل أطلق الاسم ' التبشش ' من باب الفرح ورد في الخبر أن الله يتبشش للرجل يوطئ المساجد للصلاة والذكر الحديث لما حجب العالم بالأكوان واستغلوا بغير الله عن الله فصاروا بهذا الفعل في حال غيبة عن الله فلما وردوا عليه سبحانه بنوع من أنواع الحضور أسدل إليهم سبحانه في قلوبهم من لذة نعيم محاضرته ومناجاته ومشاهدته ما تجبب بها إلى قلوبهم فإن النبي عليه السلام يقول ' حبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ' فكنى بالتبشش عن هذا الفعل منه لأنه إظهار سرور بقدومكم عليه فإنه من يسر بقدومك عليه فعلامة سروره إظهار البر بجانبك والتحبب وإرسال ما عنده من نعم عليك فلما ظهرت هذه الأشياء من الله إلى العبيد النازلين به سماه تبششا ' النسيان ' قال الله تعالى فنسيهم الباري تعالى لا يجوز عليه النسيان ولكنه تعالى لما عذبهم عذاب الأبد ولم تنلهم رحمته تعالى صاروا كأنهم منسيون عنده وهو كأنه ناس لهم أي هذا فعل الناسي ومن لا يتذكر ما هم فيه من أليم العذاب وذلك لأنهم في حياتهم الدنيا نسوا الله فجازاهم بفعلهم ففعلهم أعاده عليهم للمناسبة وقد يكون نسيهم أخرهم نسوا الله أي أخروا أمر الله فلم يعملوا به أخرهم الله في النار حين أخرج منها من أدخله فيها من غيرهم ويقرب من هذا الباب اتصاف الحق بالمكر والاستهزاء والسخرية قال تعالى ' سخر الله منهم ' وقال ' ومكر الله ' وقال ' الله يستهزئ بهم ' ' النفس ' قال صلى الله عليه وسلم ' لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن ' وقوله عليه السلام ' إني لأجد نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمين وهذا كله من التنفيس كأنه يقول لا تسبوا الريح فإنها مما ينفس بها الرحمن عن عباده وقال عليه السلام نصرت بالصبا وكذلك يقول إني لأجد نفس أي تنفيس الرحمن عني للكرب الذي كان فيه من تكذيب قومه إياه وردهم أمر الله من قبل اليمين فكان الأنصار نفس الله بهم عن نبيه صلى الله عليه وسلم ما كان أكربه من المكذبين فإن الله تعالى منزه عن النفس الذي هو الهواء الخارج من المتنفس تعالى الله عما نسب إليه الظالمون من ذلك علوا كبيرا ' الصورة ' تطلق على الأمر وعلى المعلوم عند الناس وعلى غير ذلك ورد في الحديث إضافة الصورة إلى الله في الصحيح وغيره مثل حديث عكرمة قال عليه السلام ' رأيت ربي في صورة شاب الحديث ' هذا حال من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في كلام العرب معلوم متعارف وكذلك قوله عليه السلام ' إن الله خلق آدم على صورته اعلم أن المثلية الواردة في القرآن لغوية لا عقلية لأن المثلية العقلية تستحيل على الله تعالى زيد الأسد شدة زيد زهير شعرا إذا وصفت موجودا بصفة أو صفتين ثم وصفت غيره بتلك الصفة وإن كان بينهما تباين من جهة حقائق أخر ولكنهما مشتركان في روح تلك الصفة ومعناها فكل واحد منهما على صورة الآخر في تلك الصفة خاصة فافهم وتنبه وانظر كونك دليلا عليه سبحانه وهل وصفته بصفة كمال إلا منك فتفطن فإذا دخلت من باب التعرية عن المناظرة سلبت النقائص التي تجوز عليك عنه وإن كانت لم تقم قط به ولكن المجسم والمشبه لما أضافها إليه سلبت أنت تلك الإضافة ولو لم يتوهم هذا لما فعلت شيأ من هذا السلب فاعلم وإن كان للصورة هنا مداخل كثيرة أضر بنا عن ذكرها رغبة فيما قصدناه في هذا الكتاب من حذف التطويل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ' الذراع ' ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ضرس الكافر في النار مثل أحد وكثافة جلده أربعون ذراعا بذراع الجبار هذه إضافة تشريف مقدار جعله الله تعالى أضافه إليه كما تقول هذا الشيء كذا وكذا ذراعا بذراع الملك تريد الذراع الأكبر الذي جعله الملك وإن كان مثلا ذراع الملك الذي هو الجارحة مثل أذرع الناس والذراع الذي جعله مقدارا يزيد على ذراع الجارحة بنصفه أو ثلثه فليس هو إذن ذراعه على حقيقته وإنما هو مقدار نصبه ثم أضيف إلى جاعله فاعلم والجبار في اللسان الملك العظيم وهكذا ' القدم ' يضع الجبار فيها قدمه القدم الجارحة ويقال لفلان في هذا الأمر قدم أي ثبوت والقدم جماعة من الخلق فتكون القدم إضافة وقد يكون الجبار ملكا وتكون هذه القدم لهذا الملك إذ الجارحة تستحيل على الله تعالى وجل ' والاستواء ' أيضا ينطلق على الاستقرار والقصود والاستيلاء والاستقرار من صفات الأجسام فلا يجوز على الله تعالى إلا إذا كان على وجه الثبوت والقصد هو الإرادة وهي من صفات الكمال قال ثم استوى إلى السماء أي قصد واستوى على العرش أي استولى : بيل ' الذراع ' ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ضرس الكافر في النار مثل أحد وكثافة جلده أربعون ذراعا بذراع الجبار هذه إضافة تشريف مقدار جعله الله تعالى أضافه إليه كما تقول هذا الشيء كذا وكذا ذراعا بذراع الملك تريد الذراع الأكبر الذي جعله الملك وإن كان مثلا ذراع الملك الذي هو الجارحة مثل أذرع الناس والذراع الذي جعله مقدارا يزيد على ذراع الجارحة بنصفه أو ثلثه فليس هو إذن ذراعه على حقيقته وإنما هو مقدار نصبه ثم أضيف إلى جاعله فاعلم والجبار في اللسان الملك العظيم وهكذا ' القدم ' يضع الجبار فيها قدمه القدم الجارحة ويقال لفلان في هذا الأمر قدم أي ثبوت والقدم جماعة من الخلق فتكون القدم إضافة وقد يكون الجبار ملكا وتكون هذه القدم لهذا الملك إذ الجارحة تستحيل على الله تعالى وجل ' والاستواء ' أيضا ينطلق على الاستقرار والقصود والاستيلاء والاستقرار من صفات الأجسام فلا يجوز على الله تعالى إلا إذا كان على وجه الثبوت والقصد هو الإرادة وهي من صفات الكمال قال ثم استوى إلى السماء أي قصد واستوى على العرش أي استولى :
قد استوى بشر على العراق . . . من غير سيف ودم مهراق
والأخبار والآيات كثيرة منها صحيح وسقيم وما منها خبر إلا وله وجه من وجوه التنزيه وإن أردت أن يقرب ذلك عليك فاعمد إلى اللفظة التي توهم التشبيه وخذ فائدتها وروحها أو ما يكون عنها فاجعله في حق الحق تفز بدرجة التنزيه حين حاز غيرك درك التشبيه فهكذا فافعل وطهر ثوبك ويكفي هذا القدر من هذه الأخبار فقد طال الباب نفث الروح الأقدس في الروع الأنفس بما تقدم من الألفاظ لما تعجب المتعجب ممن خرج على صورته وخالفه في سريرته ففرح بوجوده وضحك من شهوده وغضب لتوليه وتبشبش لتدليه ونسي ظاهره وتنفس فأطلق مواخره وثبت على ملكه وتحكم بالتقدير على ملكه فكان ما أراد وإلى الله المعاد فهذه أرواح مجردة تنتظرها أشباح مسنده فإذا بلغ الميقات وانقضت الأوقات ومارت السماء وكورت الشمس وبدلت الأرض وانكدرت النجوم وانتقلت الأمور وظهرت الآخرة وحشر الإنسان وغيره في الحافرة حينئذ تحمد الأشباح وتتنسم الأرواح ويتجلى الفتاح ويتقد المصباح وتشعشع الراح ويظهر الود الصراح ويزول الإلحاح ويرفرف الجناح ويكون الابتنا بالضراح من أول الليل إلى الإصباح فما أسناها من منزله وما أشهاها إلى النفوس من حالة مكملة متعنا الله بها .
الباب الرابع في سبب بدء العالم ومراتب الأسماء الحسنى من العالم كله
في سبب البدء وأحكامه . . . وغاية الصنع وأحكامه
والفرق ما بين رعاة العلى . . . في نشئه وبين حكامه
صفحه ۱۴۵