اعلم أيدنا الله وإياك أنه لما كان الوجود مطلقا من غير تقييد يتضمن المكلف وهو الحق تعالى والمكلفين وهم العالم والحروف جامعة لما ذكرنا أردنا أن نبين مقام المكلف من هذه الحروف من المكلفين من وجه دقيق محقق لا يتبدل عند أهل الكشف إذا وقفوا عليه وهو مستخرج من البسائط التي عنها تركبت هذه الحروف التي تسمى حروف المعجم بالاصطلاح العربي في أسمائها وإنما سميت حروف المعجم لأنها عجمت على الناظر فيها معناها ولما كوشفنا على بسائط الحروف وجدناها على أربع مراتب ' حروف ' مرتبتها سبعة أفلاك وهي الألف والزاي واللام ' وحروف ' مرتبتها ثمانية أفلاك وهي النون والصاد والضاد ' وحروف ' مرتبتها تسعة أفلاك وهي العين والغين والسين والشين ' وحروف ' مرتبتها عشرة أفلاك وهي باقي حروف المعجم وذلك ثمانية عشر حرفا كل حرف منها مركب عن عشرة كما أن كل حرف من تلك الحروف منها ما هو عن تسعة أفلاك وعن ثمانية وعن سبعة لا غير كما ذكرناه فعدد الأفلاك التي عنها وجدت هذه الحروف وهي البسائط التي ذكرناها مائتان وأحد وستون فلكا أما المرتبة السبعية فالزاي واللام منها دون الألف فطبعها الحرارة واليبوسة ' وأما ' الألف فطبعها الحرارة والرطوبة واليبوسة والبرودة ترجع مع الحار حارة ومع الرطب رطبة ومع البارد باردة ومع اليابس يابسة على حسب ما تجاوره من العوالم ' وأما ' المرتبة الثمانية فحروفها حارة يابسة . ' وأما ' المرتبة التسعية فالعين والغين طبعهما البرودة واليبوسة ' وأما ' السين والشين فطبعهما الحرارة واليبوسة ' وأما ' المرتبة العشرية فحروفها حارة يابسة إلا الحاء المهملة والخاء المعجمة فإنهما باردتان يابستان وإلا الهاء والهمزة فإنهما باردتان رطبتان فعدد الأفلاك التي عن حركتها توجد الحرارة مائتا فلك وثلاثة أفلاك وعدد الأفلاك التي عن حركتها توجد اليبوسة مائتا فلك وأحد وأربعون فلكا وعدد الأفلاك التي عن حركتها توجد البرودة خمسة وستون فلكا وعدد الأفلاك التي عن حركتها توجد الرطوبة سبعة وعشرون فلكا مع التوالج والتداخل الذي فيها على حسب ما ذكرناه آنفا فسبعة أفلاك توجد عن حركتها العناصر الأول الأربعة وعنها يوجد حرف الألف خاصة ومائة وستة وتسعون فلكا توجد عن حركتها الحرارة واليبوسة خاصة لا يوجد عنها غيرهما البتة وعن هذه الأفلاك يوجد حرف الباء والجيم والدال والواو والزاي والطاء والياء والكاف واللام والميم والنون والصاد والفاء والضاد والقاف والراء والسين والتاء والثاء والذال والظاء والشين وثمانية وثمانون فلكا يوجد عن حركتها البرودة واليبوسة خاصة وعن هذه الأفلاك يوجد حرف العين والحاء والغين والخاء وعشرون فلكا توجد عن حركتها البرودة والرطوبة خاصة وعن هذه الأفلاك يوجد حرف الهاء والهمزة وأما لام ألف فممتزج من السبعة والمائة والستة والتسعين إذا كان مثل قوله لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون فإن كان مثل قوله تعالى ' لأنتم أشد رهبة ' فامتزاجه من المائة والستة والتسعين ومن العشرين وليس في العالم فلك يوجد عنه الحرارة والرطوبة خاصة دون غيرهما فإذا نظرت في طبع الهواء عثرت على الحكمة التي منعت أن يكون له فلك مخصوص كما أنه ما ثم فلك يوجد عنه واحد من هذه العناصر الأول على انفراد فالهاء والهمزة يدور بهما الفلك الرابع ويقطع الفلك الأقصى في تسعة آلاف سنة وأما الحاء والخاء والعين والغين فيدور بها الفلك الثاني ويقطع الفلك الأقصى في إحدى عشرة ألف سنة وباقي الحروف يدور بها الفلك الأول ويقطع الفلك الأقصى في اثنتي عشرة ألف سنة وهو على منازل في أفلاكها فمنها ما هو على سطح الفلك ومنها ما هو في مقعر الفلك ومنها ما هو بينهما ولولا التطويل لبينا منازلها وحقائقها ولكن سنلقى من ذلك ما يشفي في الباب الستين من أبواب هذا الكتاب إن ألهمنا الحق ذلك عند كلامنا في معرفة العناصر وسلطان العالم العلوي على العالم السفلي وفي أي دورة كان وجود هذا العالم الذي نحن فيه الآن من دورات الفلك الأقصى وأي روحانية تنظرنا فلنقبص العنان حتى نصل إلى موضعه أو يصل موضعه إن شاء الله . ' فلنرجع ونقول ' إن المرتبة السبعية التي لها الزاي والألف واللام جعلتاها للحضرة الإلهية المكلفة أي تصيبها من الحروف وإن المرتبة الثمانية التي هي النون والصاد والضاد جعلناها حظ الإنسان من عالم الحروف وإن المرتبة التسعية التي هي العين والغين والسين والشين جعلناها حظ الجن من عالم الحروف وإن المرتبة العشرية وهي المرتبة الثانية من المراتب الأربعة التي هي باقي الحروف جعلناها حظ الملائكة من عالم الحروف وإنما جعلنا هذه الموجودات الأربعة لهذه الأربع مراتب من الحروف على هذا التقسيم لحقائق عسرة المدرك يحتاج ذكرها وبيانها إلى ديوان بنفسه ولكن قد ذكرناه حتى نتمه في كتاب المبادي والغايات فيما تحوي عليه حروف المعجم من العجائب والآيات وهو بين أيدينا ما كمل ولا قيد منه إلا أوراق متفرقة يسيرة ولكن سأذكر منه في هذا الباب لمحة بارق إن شاء الله فحصلت الأربعة للجن الناري لحقائق هم عليها وهي التي أدتهم لقولهم فيما أخبر الحق تعالى عنهم ' ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ' وفرغت حقائقهم ولم تبق لهم حقيقة خامسة يطلبون بها مرتبة زائدة وإياك أن تعتقد أن ذلك جائز لهم وهو أن يكون لهم العلو وما يقابله اللذان تتم بهما الجهات الستة فإن الحقيقة تأبى ذلك على ما قررناه في كتاب المبادي والغايات وبينا فيه لم اختصوا بالعين والغين والسين والشين دون غيرها من الحروف والمناسبة التي بين هذه الحروف وبينهم وأنهم موجودون عن الأفلاك التي عنها وجدت هذه الحروف وحصل للحضرة الإلهية من هذه الحروف ثلاثة لحقائق هي عليها أيضا وهي الذات والصفة والرابط بين الذات والصفة وهي القبول أي بها كان القبول لأن الصفة لها تعلق بالموصوف بها وبمتعلقها الحقيقي لها كالعلم بربط نفسه بالعالم به وبالمعلوم والإرادة تربط نفسها بالمريد بها وبالمراد لها والقدرة تربط نفسها بالقادر بها وبالمقدور لها وكذلك جميع الأوصاف والأسماء وإن كانت نسبا وكانت الحروف التي اختصت بها الألف والزاي واللام تدل على معنى نفي الأولية وهو الأزل وبسائط هذه الحروف واحدة في العدد فما أعجب الحقائق لمن وقف عليها فإنه يتنزه فيما يجهله الغير وتضيق صدور الجهلاء به وقد تكلمنا أيضا في المناسبة الجامعة بين هذه الحروف وبين الحضرة الإلهية في الكتاب المذكور وكذلك حصل للحضرة الإنسانية من هذه الحروف ثلاثة أيضا كما حصل للحضرة الإلهية فاتفقا في العدد غير أنها حرف النون والصاد والضاد ففارقت الحضرة الإلهية من جهة موادها فإن العبودية لا تشرك الربوبية في الحقائق التي بها يكون إلها كما أن بحقائقه يكون العبد مألوها وبما هو على الصورة اختص بثلاثة كهو فلو وقع الاشتراك في الحقائق لكان إلها واحدا أو عبدا واحدا أعنى عينا واحدة وهذا لا يصح فلا بد أن تكون الحقائق متباينة ولو نسبت إلى عين واحدة ولهذا باينهم بقدمه كما باينوه بحدوثهم ولم يقل باينهم بعلمه كما باينوه بعلمهم فإن فلك العلم واحد قديما في القديم محدثا في المحدث واجتمعت الحضرتان في أن كل واحدة منهما معقولة من ثلاث حقائق ذات وصفة ورابطة بين الصفة والموصوف بها غير أن العبد له ثلاثة أحوال حالة مع نفسه لا غير وهو الوقت الذي يكون فيه نائم القلب عن كل شيء وحالة مع الله وحالة مع العالم والباري سبحانه مباين لنا فيما ذكرناه فإن له حالين حال من أجله وحال من أجل خلقه وليس فوقه موجود فيكون له تعالى وصف تعلق به فهذا بحر آخر لو خضنا فيه لجاءت أمور لا يطاق سماعها وقد ذكرنا المناسبة التي بين النون والصاد والضاد التي للإنسان وبين الألف والزاي واللام التي هي للحضرة الإلهية في كتاب المبادي والغايات وإن كانت حروف الحضرة الإلهية عن سبعة أفلاك والإنسانية عن ثمانية أفلاك فإن هذا لا يقدح في المناسبة لتبين الإله والمألوه ثم إنه في نفس النون الرقمية التي هي شطر الفلك من العجائب ما لا يقدر على سماعها إلا من شد عليه مئزر التسليم وتحقق بروح الموت الذي لا يتصور ممن قام به اعتراض ولا تطلع وكذلك في نفس نقطة النون أول دلالة النون الروحانية المعقولة فوق شكل النون السفلية التي هي النصف من الدائرة والنقطة الموصولة بالنون المرقومة الموضوعة أول الشكل التي هي مركز الألف المعقولة التي بها يتميز قطر الدائرة والنقطة الأخيرة التي ينقطع بها شكل النون وينتهي بها هي رأس هذا الألف المعقولة المتوهمة . الأخيرة التي ينقطع بها شكل النون وينتهي بها هي رأس هذا الألف المعقولة المتوهمة .
صفحه ۹۶