فهو سبحانه يطيع نفسه إذا شاء بخلقه ، وينصف نفسه مما تعين عليه من واجب حقه ، فليس إلا أشباح خالية ، على | عروشها خاوية ، وفي ترجيع الصدى ، سر ما أشرنا إليه لمن اهتدى ، وأشكره شكر من تحقق أن بالتكليف ظهر الاسم | المعبود ، وبوجود حقيقة لا حول ولا قوة إلا بالله ظهرت حقيقة الجود ، وإلا فإذا جعلت الجنة جزاء لما عملت ، فأين | الجود الإلهي الذي عقلت ؟ فأنت عن العلم بأنك لذاتك موهوب ، وعن العلم بأصل نفسك محجوب ، فإذا كان ما تطلب | به الجزاء ليس لك ، فكيف ترى عملك ؟ فاترك الأشياء وخالقها ، والمرزوقات ورازقها ، فهو سبحانه الواهب الذي لا | يمل ، والملك الذي عز سلطانه وجل ، اللطيف بعباده الخبير ، الذي ^ ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ^ | [ الشورى : 11 ] والصلاة على سر العالم ونكتته ، ومطلب العالم وبغيته ، السيد الصادق ، المدلج إلى ربه الطارق ، | المخترق به السبع الطرائق ، ليريه من أسرى به ما أودع من الآيات والحقائق ، فيما أبدع من الخلائق ، الذي شاهدته عند | إنشائي هذه الخطبة في عالم حقائق المثال ، في حضرة الجلال ، مكاشفة قلبية ، في حضرة غيبية ، ولما شهدته [ & ] في ذلك | العالم سيدا ، معصوم المقاصد محفوظ المشاهد ، منصورا مؤيدا ، وجميع الرسل بين يديه مصطفون ، وأمته التي هي خير | | أمة عليه ملتفون ، وملائكة التسخير من حول عرش مقامه حافون ، والملائكة المولدة من الأعمال بين يديه صافون ، | والصديق على يمينه الأنفس ، والفاروق على يساره الأقدس ، والختم بين يديه قد حثى ، يخبره بحديث الأنثى ، وعلي | عليه السلام يترجم عن الختم بلسانه ، وذو النورين مشتمل برداء حيائه مقبل على شانه ، فالتفت السيد الأعلى ، والمورد | العذب الأحلى ، والنور الأكشف الأجلى ، فرآني وراء الختم ، لاشتراك بيني وبينه في الحكم ، فقال له السيد هذا عديلك ، | وابنك وخليلك ، انصب له منبر الطرفاء بين يدي ، ثم أشار إلي أن قم يا محمد عليه فأثن على من أرسلني وعلي ، فإن فيك | شعرة مني ، لا صبر لها عني ، هي السلطانة في ذاتيتك ، فلا ترجع إلي إلا بكليتك ، ولا بد لها من الرجوع إلى اللقاء ، فإنها | ليست من عالم الشقاء ، فما كان مني بعد بعثي شيء في شيء إلا سعد ، وكان ممن شكر في الملأ الأعلى وحمد ، فنصب | الختم المنبر ، في ذلك المشهد الأخطر ، وعلى جبهة المنبر مكتوب بالنور الأزهر : هذا هو المقام المحمدي الأطهر ، من | رقى فيه فقد ورثه ، وأرسله الحق حافظا لحرمة الشريعة وبعثه ، ووهبت في ذلك الوقت مواهب الحكم ، حتى كأني أوتيت | جوامع الكلم ، فشكرت الله عز وجل وصعدت أعلاه ، وحصلت في موضع وقوفه [ & ] ومستواه ، وبسط لي على الدرجة | التي أنا فيها كم قميص أبيض فوقفت عليه ، حتى لا أباشر الموضع الذي باشره [ & ] بقدميه ، تنزيها له وتشريفا ، وتنبيها لنا | وتعريفا ، أن المقام الذي شاهده من ربه ، لا يشاهده الورثة إلا من وراء ثوبه ، ولولا ذلك لكشفنا ما كشف ، وعرفنا ما | عرف ، ألا ترى من تقفو أثره ، لتعلم خبره ؟ لا تشاهد من طريق سلوكه ما شهد منه ، ولا تعرف كيف تخبر بسلب الأوصاف | عنه ، فإنه شاهد مثلا ترابا مستويا لا صفة له فمشى عليه ، وأنت على أثره لا تشاهد إلا أثر قدميه ، وهنا سر خفي إن بحثت | عليه ، وصلت إليه ، وهو من أجل أنه إمام ، وقد حصل له الأمام ، لا يشاهد أثرا ولا يعرفه ، فقد كشفت ما لا يكشفه ، وهذا | المقام قد ظهر ، في إنكار موسى صلى الله على سيدنا وعليه وعلى الخضر ، فلما وقفت ذلك الموقف الأسنى ، بين يدي | من كان من ربه في ليلة إسرائه قاب قوسين أو أدنى ، قمت مقنعا خجلا ، ثم أيدت بروح القدس فافتتحت مرتجلا : |
يا منزل الآيات والأنباء
انزل علي معالم الأسماء
حتى أكون لحمد ذاتك جامعا
بمحامد السراء والضراء
ثم أشرت إليه [ & ] : |
ويكون هذا السيد العلم الذي
جردته من دورة الخلفاء
وجعلته الأصل الكريم وآدم
ما بين طينة خلقه والماء
ونقلته حتى استدار زمانه
وعطفت آخره على الإبداء
وأقمته عبدا ذليلا خاضعا
دهرا يناجيكم بغار حراء
حتى أتاه مبشرا من عندكم
جبريل المخصوص بالأنباء
قال السلام عليك أنت محمد
سر العباد وخاتم النبآء
يا سيدي حقا أقول فقال لي
صدقا نطقت فأنت ظل ردائي
فاحمد وزد في حمد ربك جاهدا
فلقد وهبت حقائق الأشياء
وانثر لنا من شأن ربك ما انجلى
لفؤادك المحفوظ في الظلماء
من كل حق قائم بحقيقة
يأتيك مملوكا بغير شراء
صفحه ۳۶