فتوحات مکیه
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
ناشر
دار إحياء التراث العربي
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
1418هـ- 1998م
محل انتشار
لبنان
كذلك الحق إن حققت صورته . . . بنفسه وبكم تعلو وتتضع اعلم أيها الولي الحميم أيدك الله أن هذا الوتد هو خضر صاحب موسى عليه السلام أطال الله عمره إلى الآن وقد رأينا من رآه واتفق لنا في شأنه أمر عجيب وذلك أن شيخنا أبا العباس العربي رحمه الله جرت بيني وبينه مسئلة في حق شخص كان قد بشر بظهوره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي هو فلان ابن فلان وسمى لي شخصا أعرفه باسمه وما رأينه ولن رأيت ابن عمته فربما توقفت فيه ولم آخذ بالقبول أعني قوله فيه لكوني على بصيرة في أمره ولا شك أن الشيخ رجع سهمه عليه فتأذى في باطنه ولم أشعر بذلك فإني كنت في بداية أمري فانصرفت عنه إلى منزلي فكنت في الطريق فلقيني شخص لا أعرفه فسلم علي ابتداء سلام محب مشفق وقال لي يا محمد صدق الشيخ أبا العباس فيما ذكر لك عن فلان وسمى لنا الشخص الذي ذكره أبو العباس العربي فقلت له نعم وعلمت ما أراد ورجعت من حيني إلى الشيخ لأعرفه بما جرى فعندما دخلت عليه قال لي يا أبا عبد الله احتاج معك إذا ذكرت لك مسئلة يقف خاطرك عن قبولها إلى الخضر يتعرض إليك يقول لك صدق فلانا فيما ذكره لك ومن أين يتفق لك هذا في كل مسئلة تسمعها مني فتتوقف فقلت إن باب التوبة مفتوح فقال وقبول التوبة واقع فعلمت أن ذلك الرجل كان الخضر ولا شك إني استفهمت الشيخ عنه أهو هو قال نعم هو الخضر ثم اتفق لي مرة أخرى أني كنت بمرسى تونس بالحفرة في مركب في البحر فأخذني وجع في بطني وأهل المركب قد ناموا فقمت إلى جانب السفينة وتطلعت إلى البحر فرأيت شخصا على بعد في ضوء القمر وكانت ليلة البدر وهو يأتي على وجه لاماء حتى وصل إلي فوقف معي ورفع قدمه الواحدة واعتمد على الأخرى فرأيت باطنها وما أصابها بلل ثم اعتمد عليها ورفع الأخرى فكانت كذلك ثم تكلم معي بكلام كان عنده ثم سلم وانصرف يطلب المنارة محرسا على شاطىء البحر على تل بيننا وبينه مسافة تزيد على ميلين فقطع تلك المسافة في خطوتين أو ثلاثة فسمعت صوته وهو على ظهر المنارة يسبح الله تعالى وربما مشى إلى شيخنا جراح بن خميس الكتاني وكان من سادات القوم مرابطا بمرسى عيدون وكنت جئت من عنده بالأمس من ليلتي تلك فلما جئت المدينة لقيت رجلا صاحلا فقال لي كيف كانت ليلتك البارحة في المركب مع الخضر ما قال لك وما قلت له فلما كان بعد ذلك التاريخ خرجت إلى السياحة بساحل البحر المحيط ومعي رجل ينكر خرق العوائد للصالحين فدخلت مسجدا خرابا منقطعا لأصلي فيه أنا وصاحبي صلاة الظهر فإذا بجماعة من السائحين المنقطعين دخلوا علينا يريدون ما نريده من الصلاة في ذلك المسجد وفيهم ذلك الرجل الذي كلمني على البحر الذي قيل لي أنه الخضر وفيهم رجل كبير القدر أكبر منه منزلة وكان بيني وبين ذلك الرجل اجتماع قبل ذلك ومودة فقمت فسلمت عليه فسلم علي وفرح بي وتقدم بنا يصلي فلما فرغنا من الصلاة خرج الإمام وخرجت خلفه وهو يريد باب المسجد وكان الباب في الجانب الغربي يشرف على البحر المحيط بموضع يسمى بكة فقمت أتحدث معه على باب المسجد وإذا بذلك الرجل الذي قلت أنه الخضر قد أخذ حصيرا صغيرا كان في محراب المسجد فبسطه في الهواء على قدر علو سبعة أذرع من الأرض ووقف على الحصير في الهواء يتنقل فقلت لصاحبي أما تنظر إلى هذا وما فعل فقال لي سر إليه وسله فتركت صاحبي واقفا وجئت إليه فلما فرغ من صلاته سلمت عليه وأنشدته لنفسي :
شغل المحب عن الهواء يسره . . . في حب من خلق الهواء وسخره
العارفون عقولهم معقولة . . . عن كل كون ترتضيه مطهره
صفحه ۲۴۵