کتاب الفتوح
كتاب الفتوح
مذودها[ (1) ]ونزع السلاح فرده على المرأتين ودعا بالقيد فقيد رجله كما كان. قال:
فصاحت به سلمى من جوف الخدر: أبا محجن!ما حال الناس؟فقال: بكل خير، وقد كان مني في هذا العدو ما كان، وأرجو أن يكون الله تبارك وتعالى قد جعل لك أيتها المرأة في ذلك الثواب نصيبا.
قال: فأرسلت سلمى إلى سعد بن أبي وقاص وسألت أن يصير إليها، قال:
فنزل سعد من السطح على عيلته حتى دخل عليها فقالت: أيها الأمير!ما حال الناس؟قال: ويحك يا سلمى!لقد كانت الدائرة على المسلمين غير أن الله تبارك وتعالى من علينا بفارس لا أدري من الآدميين أم من الملائكة فأعطى الله المسلمين به الظفر بعد الإياس، قالت: فهل عرفت الرجل؟قال: لا ولكني شبهت بلقاء كانت تحته ببلقائي وسلاحا كان عليه بسلاحي، فقالت: والله انه أبو محجن الثقفي، فعل كذا وكذا، قال: فخرج سعد من عندها حتى دخل على أبي محجن ثم وقف عليه ثم قال: لقد عجبت أن يكون ذلك الفعل لك، ولست أقيم بعد ذلك عليك حدا بعد أن قد رأيت منك ما رأيت، قال: ثم فك القيد عنه وقال: يا هذا!انظر لنفسك وفكر في معادك إلى ربك، قال فقال له أبو محجن: أيها الأمير!إنما كنت أشرب الخمر حين كنت تقهرني عليها، فأما إذ قد أبيت أن تقيم علي الحد فوالله لا ذقتها حتى ألقى الله تعالى!قال: ثم ترك الخمر ولم يشربها بعد ذلك، وكان إخوانه الذين ينادمونه عليها يقولون: أبا محجن!أتركت القهوة وصبرت عنها؟فكان يقول: ما تركتها إلا لله خالصا لا لغيره-ثم رجعنا إلى الحديث[ (2) ].
قال: وبات الفريقان ليلتهم تلك وقد قتل من الفرس مقتلة عظيمة، فلما كان من غد وثب القوم كتعبيتهم في الأولونزل إليهم سعد وهو متكئ من قروح قد خرجت في باطن فخذيه[ (3) ]، فركب فرسا لين العريكة، ثم خرج على الناس فأحاطوا به من كل جانب فقالوا: أيها الأمير!لو لم تخرج إلينا لكنت معذورا لما علمنا من علتك فارجع إلى موضعك فإنا نكفيك إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! [ (1) ]المذود: المعلف.
[ (2) ]خبر أبي محجن رواه الطبري ج 3/575 وفتوح البلدان ص 258 ومروج الذهب 2/345 وما بعدها وابن الأثير 2/114-115 والواقدي في فتوح الشام 2/161.
[ (3) ]في الطبري 3/530 كان سعد لا يستطيع أن يركب ولا يجلس، به حبون (دماميل) فإنما هو على وجهه في صدره وسادة، هو مكب عليها.
صفحه ۱۶۵