فتوح مصر والمغرب
فتوح مصر والمغرب
ناشر
مكتبة الثقافة الدينية
قال: فحدثنا هانئ بن المتوكّل، حدثنا ابن لهيعة، عن بكر بن عمرو الخولانى، أن عبد العزيز بن مروان حين قدم الإسكندرية سأل عن فتحها، فقيل له: لم يبق ممّن أدرك فتحها إلا شيخ كبير من الروم، فأمرهم فأتوه به، فسأله عمّا حضر من فتح الإسكندرية، فقال: كنت غلاما شابّا، وكان لى صاحب ابن بطريق «١» من بطارقة الروم، فأتانى، فقال: ألا تذهب بنا حتى ننظر إلى هؤلاء العرب الذين يقاتلوننا؟ فلبس ثياب ديباج، وعصابة ذهب، وسيفا محلّى، وركب برذونا سمينا كثير اللحم، وركبت أنا برذرنا خفيفا، فخرجنا من الحصون كلها حتى برزنا على شرف، فرأينا قوما فى خيام لهم عند كل خيمة فرس مربوط ورمح مركوز، ورأينا قوما ضعفاء، فعجبنا من ضعفهم، وقلنا: كيف بلغ هؤلاء القوم ما بلغوا؟ فبينا نحن وقوف ننظر إليهم ونعجب إذ خرج رجل منهم من بعض تلك الخيام، فنظر، فلما رآنا حلّ فرسه، فمعّكه، ثم مسحه، ووثب على ظهره وهو عرى، وأخذ الرمح بيده، وأقبل نحونا، فقلت لصاحبى: هذا والله يريدنا، فلما رأيناه مقبلا إلينا لا يريد غيرنا أدبرنا مولّين نحو الحصن، وأخذ فى طلبنا، فلحق صاحبى لأن برذونه كان ثقيلا كثير اللحم، فطعنه برمحه، فصرعه، ثم خضخض الرمح فى جوفه حتى قتله.
ثم أقبل فى طلبى، وبادرت، وكان برذونى خفيف اللحم، فنجوت منه حتى دخلت الحصن؛ فلما دخلت الحصن أمنت، فصعدت على سور الحصن أنظر إليه، فإذا هو لمّا أيس منى رجع، فلم يبال بصاحبى الذي قتله، ولم يرغب فى سلبه، ولم ينزعه عنه، وقد كان سلبه ثياب الديباج وعصابة من ذهب ولم يطلب دابّته، ولم يلتفت إلى شىء من ذلك، وانصرف من طريق أخرى، وأنا انظر إليه، وأسمعه يتكلّم بكلام، ويرفع به صوته، فظننت أنه إنما يقرأ بقرآن العرب، فعرفت عند ذلك أنهم إنما قووا على ما قووا عليه، وظهروا على البلاد لأنهم لا يطلبون الدنيا ولا يرغبون فى شىء منها، حتى بلغ خيمته، فنزل عن فرسه فربطه، وركز رمحه، ودخل خيمته، ولم يعلم بذلك أحدا من أصحابه.
فقال عبد العزيز: صف لى ذلك الرجل وهيئته وحالته «٢» فقال: نعم، هو قليل
1 / 98