8
والذي يلقي نظرة على فهرس الكتاب يرى ألوانا مختلفة من الآيات والأحاديث والحكم والقصص، وإليكم هذا المثال من فهرس الجزء الأول: تفسير رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، مجيء رسول الروم إلى عمر، إضافة آدم عليه السلام الذلة إلى نفسه، سؤال سبب ابتلاء الروح، قصة الببغاء والتاجر، تفسير بيت العطار ... إلخ، تعظيم السحرة موسى حين رمى العصا، بيان حديث إن سعدا لغيور ... إلخ، مضرة تعظيم الخلق والشهرة، تفسير ما شاء الله كان، قصة الزامر الهرم الذي ذهب يزمر حسبة في المقابر، حديث إن لربكم في أيام دهركم نفحات.
وفصول الكتاب لا يستقل بعضها عن بعض، بل يؤدي الاستطراد من واحد إلى الآخر. وربما يبدأ القصة ثم يستطرد إلى قصة أخرى ثم يرجع ليكمل الأولى، وهو يأخذ القصة القصيرة يجعلها وسيلة إلى بيان مقاصده ويطول به البيان حتى يدع حوادث القصة ضئيلة خفية بجانب البيان أو الحوار الذي يبتغيه، ومن أجل هذا يتبين القارئ ضعفا في القصص أحيانا أو اختلالا، وأنى يبالي جلال الدين في استغراقه ووجده وهيامه بإحكام القصص والعناية بصوره؟
وهو قوي البيان فياض الخيال بارع التصوير، يوضح المعنى الواحد في صور مختلفة، ويسوق المثل إثر المثل، والمعاني تأتيه أرسالا، والألفاظ تواتيه انثيالا، وبحر الرمل يطاوعه رهوا مسترسلا، حتى ينظم حول القصة الصغيرة القصيرة مئات الأبيات، فيستخرج منها، ويصل بها ما يشاء من الآراء والنصائح والعظات والعبر؛ فقصة الأسد والوحوش والأرنب التي أهلكته من قصص كليلة ودمنة، نظم فيها زهاء خمسمائة بيت، وهي مترجمة في هذه الفصول، وقصة الببغاء والتاجر نظم فيها نحو ثلاثمائة بيت، وهي قصة قصيرة ترجمتها منظومة في هذه الفصول أيضا ... إلخ.
وقلبه مفعم بالعشق الإلهي، ومستغرق فيه، فكل شيء يذكر به وكل فكر يؤدي إليه؛ فتراه يبتدئ القصة التي تحسبها بعيدة كل البعد عن العشق والاستغراق والفناء، فإذا هو ينتهي إلى هذه المعاني ويغوص فيها، ذلكم مراده مهما يقل، وتلكم قبلته أنى توجه، وغاية تصريحه وكنايته، وهو في عبوسه يكن السرور به، وفي صمته يكثر القول فيه، وإذا نفى فإنها يثبته. يقول:
أنا غريق العشق الذي غرق فيه عشق الأولين والآخرين. إذا ذكرت الشفة فهي شفة البحر (حافة البحر)،
3
وإذا قلت لا فإنما مرادي إلا.
من السرور جلست عبوسا، ومن كثرة المقال قعدت صموتا.
بل إذا فكر في القافية وهو مستغرق في النظم نقله هذا الشاغل اللفظي إلى الحبيب المقصود، فبينا نراه في قصة التاجر والببغاء ماضيا في بيانه إذا هو يقول:
صفحه نامشخص