وبعد، فإني سأورد عليكم طرفتين من طُرَف اللصوص فيهما إن شاء الله متعة:
في دمشق مسجد كبير اسمه «جامع التوبة»، وهو جامع مبارك فيه أُنس وجمال، سُمّي بجامع التوبة لأنه كان خانًا تُرتكَب فيه أنواع المعاصي، فاشتراه أحد الملوك في القرن السابع الهجري وهدمه وبناه مسجدًا (١). وكان فيه من نحو سبعين سنة شيخ مُرَبٍّ عالم عامل اسمه الشيخ سليم المُسوتي، وكان أهل الحي يثقون به ويرجعون إليه في أمور دينهم وأمور دنياهم. وكان عند هذا الشيخ تلميذ صالح، وكان مضرب المثل في فقره وفي إبائه وعزة نفسه، وكان يسكن في غرفة في المسجد. مرّ عليه يومان لم يأكل فيهما شيئًا، وليس عنده ما يَطعَمه ولا ما يشتري به طعامًا، فلما جاء اليوم الثالث أحس كأنه مشرف على الموت، وفكر ماذا يصنع، فرأى أنه بلغ حد الاضطرار الذي يجوّز له أكل الميتة أو السرقة بمقدار الحاجة، فآثر أن يسرق ما يقيم صلبه.
وهذه القصة واقعة أعرف أشخاصها وأعرف تفصيلها وأروي ما فعل الرجل، لا أحكم على فعله بأنه خير أو شر أو أنه جائز أو ممنوع. وكان المسجد في حي من الأحياء القديمة، والبيوت فيها متلاصقة والسطوح متصلة، يستطيع المرء أن ينتقل من أول الحي إلى آخره مشيًا على السطوح. فصعد إلى سطح المسجد
_________
(١) بناه الملك الأشرف ابن الملك العادل الأيوبي سنة ٦٣٢هـ، وهو جامع حي العُقَيبة الذي عاش فيه جدي السنوات الأولى من حياته. انظر خبره في هذا الكتاب في مقالة «طرائف من التاريخ»، ص٤٨ (مجاهد).
1 / 19