أما المدارس فلقد كنا نعرفها مشارق أنوار العلم ومنابع الهدى، ونعرف المعلمين فيها مربِّين مهذِّبين ورثة الرسل وخلفاء الأنبياء، ونعرف التلاميذ وهم طلاب علم وقُصّاد خلق، دنياهم مدرستهم وعملهم درسهم وأئمتهم معلموهم، فكانت المدارس تخرّج علماء ومهذِّبين أصحاب خلق متين ودين، تعتز بهم بلادهم وتسمو أوطانهم. فصار همَّ التلاميذ حزبٌ سياسي ينتسبون إليه ويصرِّخون في مظاهراته ويضعون أكتافهم سلّمًا لزعمائه، يرتقون عليه إلى ما يشتهون من كراسي الحكم ... أو نحلة ينتحلونها ويحملون في صدورهم شارتها ويُهرعون إلى ناديها، ثم لا يفهمون من حقها أو باطلها إلا هذه المظاهر التي طلبوها لها وحدها، ثم يشتغلون عن الدرس بالخلاف عليها والكلام فيها، من غير فقه لها أو وقوف على مبادئها ... أو فلم سينمائي يحرصون عليه أكثر من حرصهم على دروسهم وعبادتهم، أو رواية في مسرح، أو صورة مكشوفة في مجلة.
وصار المعلمون، أعني أكثر المعلمين، أصحاب شهادات لا علوم، ودعاة مذاهب سياسية أو اجتماعية لا دعاة إلى الله ولا إلى الخلق، وصاروا قدوة الطلاب في قصد السينمات والملاهي لا قصد المساجد والمكتبات، وصار منهم الشيوعي الذي يعلن شيوعيته، والقومي الذي يظهر قوميته، والجاحد الذي لا يتوارى بجحوده، والماجن الذي لا يتستر بمجونه، إي والله العظيم، ووُسدت الأمور إلى غير أهلها، فجُعل غير العالمين معلّمين، والمحتاجون إلى التربية مربّين، وتكلم في المسائل من ليس من أربابها، وتصدر في محرابها من لم يَلِج بابها، وجيء بالشباب
1 / 39