ومهما يكن من الأمر فإن الأحاديث المنسوبة إلى النبي في تحريم التصوير كان لها أثر لا سبيل إلى نكرانه، سواء أكانت صحيحة أم غير صحيحة.
وقد كانت كراهية التصوير عامة بين رجال الدين من سنيين وشيعة، وليس صحيحا ما يزعمه البعض من أن المذهب الشيعي لا يعترف بهذا التحريم؛ فالواقع أن في كتب الحديث الشيعية أحاديث تحريم التصوير، وأن حكم رجال الدين من الشيعة هو عينه حكم أهل السنة في كراهية الصور والتماثيل.
3
وفضلا عن ذلك كله فإن مذهب الشيعة لم يصبح المذهب الرسمي في إيران قبل قيام الأسرة الصفوية في بداية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي).
ولكن تحريم التصوير في الإسلام لم يقض على هذا الفن قضاء تاما. ونظرة إلى تاريخ الفنون الإسلامية تقنعنا بأن القوم كانوا في كثير من الأحيان لا يكترثون بهذا التحريم، وأن هذا التهاون كان يحدث في شتى أقاليم الإمبراطورية الإسلامية؛ فازدهر فن التصوير في بعضها، ولا سيما في الأقاليم التي كانت لها تقاليد فنية عظيمة في النحت والتصوير، كإيران، وفي البلاد التي تأثرت بإيران في هذا الصدد وخضعت في بعض حقبات التاريخ لنفوذها الثقافي، كالهند وتركية، ومصر في عصر الدولة الفاطمية.
وقد قيل إن العرب ورثوا عن اليهود كراهية التصوير، وإن أقل الشعوب الإسلامية اكتراثا بتحريم التصوير في الإسلام إنما هي الشعوب غير السامية الأصل؛ فالأيوبيون مثلا كانوا من أبطال المذهب السني، ولم يمنعهم ذلك من الإقبال على اقتناء التحف المعدنية النفيسة ذات الموضوعات الزخرفية الآدمية، ولعل السر في ذلك أنهم لم يكونوا عربا ساميين بل كانوا كردا.
ولا ريب في أن الإسلام، كشريعة موسى، لم يتخذ الفن عنصرا من عناصر الحياة الدينية ولم يشمله برعايته؛ فإن تحريم الصور الآدمية إن لم يكن لوحظ واتبع في كل العصور والأقطار الإسلامية، فقد حال دون استخدام التصوير في المصاحف وفي العمائر الدينية كالمساجد والأضرحة - اللهم إلا في حالات نادرة جدا - فأصبحت المساجد والكتب خالية من صور يستعان بها على شرح العقيدة وتقريبها إلى المؤمنين، أو على توضيح تاريخ العقائد الدينية وسيرة أبطال الملة، كما في المسيحية والبوذية والمانوية. •••
على أننا نعرف أمثلة كثيرة في البلاد السنية والشيعية على السواء، يمكننا أن نرى فيها عدم الاكتراث بتحريم التصوير، ولكن الذي يعنينا في هذا المقام هو أن إيران كانت في طليعة الأمم الإسلامية التي لم يؤثر فيها هذا التحريم تأثيرا يستحق الذكر.
أجل ، إن رجال الدين في إيران كانوا يكرهون التصوير والمصورين، وربما كان تحريم التصوير في الإسلام من الأسباب التي نستطيع أن ننسب إليها قسطا من جمود هذا الفن في إيران، ووقوفه عن التطور في حرية واستقلال، ولكننا نستطيع أن نقول - على وجه عام - إن تأثير التحريم لم يكن ظاهرا في إيران ظهوره في سائر الأقاليم الإسلامية.
والواقع أننا لا نجد الصور في المخطوطات وعلى الخزف والقاشاني والسجاد وسائر التحف الإيرانية فحسب، بل إننا نجدها أحيانا في المساجد والأضرحة، كجامع هارون «وليعهد» بأصفهان؛ حيث يرى فوق المدخل لوح من الخشب المزين بالزخارف المحفورة على شكل ملكين يطيران، كما في نقش طاق بستان الذي يرجع إلى العصر الساساني، وكضريح فتح علي شاه بمدينة قم؛ حيث ترى ستائر قد طرزت فيها صورة صاحب الضريح، وكذلك توجد صورة بالحجم الطبيعي للإمام رضا في ضريحه بمشهد، كما أن في كثير من المساجد والأضرحة تحفا أو قطعا من الأثاث ذات زخارف آدمية أو حيوانية، الأمر الذي تجنبه المسلمون في سائر الأقطار الإسلامية.
صفحه نامشخص