3
وقد نقل هذا النص إلى العربية زميلي الأستاذ إبراهيم جمعة بين الوثائق والمراجع التي أعدها لكتابه عن تطور الخط: «واكتمل في إيران في غضون القرن الثالث عشر الميلادي نوع من الخط الفارسي المستدير هو «خط التعليق» لتكتب به المخطوطات غير الدينية، قلت فيه - تمشيا مع طبيعته الدنيوية - الانتصابات العنيفة التي تميزت بها الكتابات الدينية، وشاعت فيه عوضا عن ذلك حياة وحركة تتجليان في تعويجاته واستداراته. ويسترعي النظر في قمم حروفه المنتصبة وفي أسافلها على السواء انسلاخات ظاهرة؛ سببها إعمال القلم فيها بسنه لا بصدره.
وأهم ما يميز خط التعليق كثرة ما فيه من استلقاء وإرسال، وهو شبيه في استداراته بخط النسخ الذي تتضح فيه الاستدارات وتكثر استمداداته، وتنبو بعض الشيء عن مستوى التسطيح العام، حتى لكأنها الخطوط المستقيمة وهي ما تزال بعيدة عن الاستقامة لما فيها من تدوير. وتظهر في هذا النوع من الخط زوايا أشبه بالقوائم تختتم بها الاستدارات يتسنى للكاتب بعدها أن يزيد من سرعة يده.
وتتفاوت الاستمدادات في هذا النوع من الخط؛ فقد تكون من الرفع بقدر سمك الشعرة ، كما قد تكون غليظة لرسمها بصدر القلم أو لثقل في طبقة المداد فوق قطة القلم، وتكون نهاية هذه الاستمدادات إما إرسالا بعرض القلم أو تعقيفا بانحناءة راجعة. وعلى الرغم مما يبدو في سطور هذا الضرب من الخط من رشاقة بالغة، فإنك تلحظ فيه بوجه عام - إلى جانب هذه الرشاقة - شيئا غير قليل من «البرود» والاتزان، ولا يسعك مهما يكن من الأمر إلا الإعجاب بقوة مبدعيه ... وبينما نجد خط «النستعليق» يستمد أصوله من خط «التعليق» مباشرة، نلحظ في النستعليق خفة ولطفا لا نجدهما في خط التعليق، ففي استداراته قوة وحياة، يقابلهما في خط التعليق جفاف واعتدال في مواطن الكلمة، هو نهاية تقوس سابق أو بدء لتقوس لاحق، الأمر الذي من أجله اكتسب خط التعليق شيئا من العنف والجفاف لا تخف وطأته إلا عند الابتداء والانتهاء؛ ولهذا السبب عينه كان خط النستعليق أطوع في يد الكاتب من خط التعليق وأسلس انقيادا، بحيث لا يؤثر ذلك في شيء ما على رونقه العام، فجمع بهذا جمعا بين فضيلتي الحرية والتسامي.
وبينما نلحظ في خط النسخ غنى وتناسبا في الأجزاء، واعتدادا بطبيعته، نجد في خط التعليق قوة، وشموخا، وارتجالا. ونلمس في خط النستعليق في مقابل ذلك صفات: هي الرقة والأناقة، والسهولة والليونة والطواعية، التي لم تخل بدورها من بعض الارتجال، وكلها صفات تدل على بلوغ الخطاطين درجة قصوى من التهذيب وسمو الإدراك.
وقد بقي هذا النوع من الخط الأسلوب القومي للكتابة الإيرانية، ولا يزال يتمتع حتى اليوم بقوة هيهات أن يصيبها الضعف.»
وينسب اختراع خط «نستعليق» إلى «قبلة الكتاب» مير علي التبريزي الذي كان من خدمة تيمور، وخلفه ابنه عبد الله فأتم بعض التفاصيل في هذا الخط الجديد. وكان له تلميذان مشهوران: أولهما مولانا جعفر التبريزي الذي كانت له رئاسة أربعين خطاطا كانوا يشتغلون دائما للأمير بايسنقر، والثاني هو «أستاذ الأساتذة» مولانا أظهر التبريزي ( ∆
880ه؛ أي 1475م). وقد كان يحب الأسفار، فتنقل بين هراة وكرمان ويزد وأصفهان وشيراز وبغداد ودمشق وحلب وبيت المقدس، وانتشر أسلوبه في الخط فعم أقاليم الشرق الأدنى وإيران. ومن أعظم تلاميذه سلطان علي المشهدي الذي ذاع صيته في بلاط السلطان حسين ميرزا بمدينة هراة بين عامي 875 و912ه/1470-1506م.
وممن أصابوا بعد ذلك شهرة واسعة في ميدان الخط سلطان محمد نور (وهو ابن السلطان علي المشهدي)، وزين الدين محمود المشهدي، ومير علي الحسيني ومحمود بن مرتضى الكاتب الحسيني، وشاه محمود النيسابوري ( ∆
نحو سنة 952ه؛ أي 1545م)، الذي اشتغل في بلاط الشاه إسماعيل الصفوي، ثم كتب المخطوط المشهور من كتاب المنظومات «الخمسة» للشاعر نظامي، وهو محفوظ الآن بالمتحف البريطاني.
صفحه نامشخص