ويحسن في الأمور الحساسة المسيئة أن ترود الطريق أولا بكلام ليس بذي بال، وتؤجل الكلام الخطير إلى أن يأتي عرضا كأنه غير مقصود.
كما صنع نرجس حين قص على العاهل كلوديوس نبأ بناء زوجته مسالينا بزوج آخر في حياته هو الشيخ سيليوس
Silius .
ويحسن في المسائل التي يحب المرء أن يواري فيها بواطنه أن يستعير لسان الدنيا ليقول ما يريد، فيقول مثلا: إن «الدنيا كلها تتحدث بهذا، وإنه قد شاع على الألسنة كيت وكيت.»
وقد عرفت رجلا كلما أرسل كتابا في مسألة تعنيه أضافها إلى ذيل الحاشية، كأنها جاءت بغير اكتراث.
وعرفت آخر كلما تهيأ للكلام تخطى ما يعنيه خاصة، ومضى إلى غيره، ثم عاد إليه كأنه قد أوشك أن ينساه.
وآخرون يهيئون لمن يقصدونهم فرصة مفاجأتهم وفي أيديهم خطاب أو عمل مستغرب منهم، حتى يساقوا إلى البوح بما هم راغبون في بيانه.
ومن ضروب المكر أن توحي إلى غيرك بكلام يقوله بدلا منك، ثم تستفيد من نسبته إليه.
وقد عرفت رجلين كانا يتنافسان على منصب من مناصب أمانة السر عند الملكة اليصابات، ولكنهما بقيا على وفاق بينهما يتشاوران في المسألة، ولا يظهران المنافسة، فقال أحدهما لصاحبه: إن أمانة السر في عهد إدبار الدولة عمل محرج فهو لا يتطلع إليها، فذهب صاحبه يعيد هذه الكلمات مع رفاقه، ويقول: إنه لا يجد باعثا له إلى طلب أمانة السر في عهد الإدبار، فأسرع منافسه وعني بإبلاغ الملكة هذا الكلام على لسان غيره، فغضبت الملكة أشد الغضب من وصف عهدها بالعهد المدبر، ولم تكن من ساعتها تطيق ترشيح الرجل لتلك الوظيفة.
وفي إنجلترا ضرب من المكر يصطلحون على تسميته «بتقليب القرص في المقلاة»، وفحواه أن يفضي الرجل بكلام إلى محدثه، ثم يزعم أن محدثه هو الذي أفضى به إليه، ولا ريب أنه لمن أعسر الأمور إذا كان مدار الحديث بين اثنين أن تعرف من منهما المبدئ به ومن المعيد.
صفحه نامشخص