فن السيرة
فن السيرة
ناشر
دار الثقافة
شماره نسخه
٢
ژانرها
ولصور لنا المتنبي في ساعة من ساعات الحنين، وهو يلوح بسيفه في قتام المعركة، ولتحدث عن نفسية المتنبي حديثًا طويلًا وهو يفارق حبيبته إلى مصر، انقيادًا لروح الكبرياء فيه، عارفًا أنها رحلة لا رجعة بعدها.
ولا أظنني متشائمًا أو غاليًا حين أقرر أن كتابة سيرة لأحد الأقدمين عندنا تعد أمرًا معجزًا، وأن أكثر ما يحاوله الكتاب اليوم ليس إلا جهدًا مبذولًا لترتيب بعض الروايات أو تصحيحها فليس لدينا الشواهد الضرورية من رسائل ومذكرات، وهناك اضطراب في الأخبار تبعًا لاختلاف الميول عند أصاحبها، وأخذ هذه الأخبار دون تعيين التيارات التي تحركها في الخفاء؟ أو في العلن؟ أمر يقضي على الصحة التاريخية المنشودة في كتابة السيرة. ومن هذه الناحية، يكاد الصدق التاريخي يبدو أمرًا مستحيلًا، فنحن عاجزون عن أن نبني سيرة فرد ما، إن كنا لا نعرف من حياته إلا أخبارًا متناثرة عن مشاركته في الحياة العامة دون نفسيته، ودخائل حياته بين أصدقائه وأولاده وزوجه وخادمه. ثم هنالك شيء هام لابد أن نتذكره ونحن نعالج سير الأقدمين وهو أنهم لم يكن لديهم خط قوي يفصل بين الخيال والواقع، فهذا الفصل الدقيق سمة من سمات العصر الحديث، ولذلك تمتزج الحقيقة بالخيال في كثير من الأخبار التي وصلتنا، لأن الخبر؟ من حيث هو؟ كان أمرًا يستحق التسجيل، دون نظر إلى الظروف الكثيرة من
1 / 79