فتنه کبری: علی و بنوه
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
ژانرها
فمضى الجند وخرج الحسن في إثرهم في عدد ضخم من أهل العراق، وكأنه خرج يظهر لهم الحرب ويدبر أمر الصلح فيما بينه وبين خاصته، حتى إذا بلغ المدائن تسامع الجيش ببعض ذلك؛ فاضطرب الناس وماج بعضهم في بعض، واقتحموا على الحسن فسطاطه وعنفوا به عنفا شديدا حتى انتهبوا متاعه، فخرج الحسن يريد المدائن، وطعنه رجل فلم يصب منه مقتلا، يقول بعض المؤرخين: إن هذا الرجل كان من أصحابه. ويقول بعضهم الآخر: إنه كان من الخوارج، وأنه قال للحسن وهو يهم به: أشركت كما أشرك أبوك!
وقد أقام الحسن في المدائن حتى برئ من جرحه، وتعجل السلم في أثناء ذلك، ثم رجع إلى الكوفة فاستقبل فيها سفراء معاوية الذين أعطوه كل ما أراد، أعطوه الأمان له ولأصحابه كافة، وأعطوه خمسة ملايين من الدراهم كانت في بيت المال بالكوفة، وأعطوه خراج كورتين من كور البصرة ما عاش.
وبينما كان الحسن يفاوض في الصلح كان عبيد الله بن عباس يتعجل السلم لنفسه ويترك جيشه إلى معاوية دون أن يستخلف عليه أحدا، رشاه معاوية بالمال، فلم يستطع أن يعصي المال، وكذلك انحرف عبد الله بن عباس عن علي، وانحرف عبيد الله بن عباس عن الحسن، كلاهما ينحرف عن صاحبه في أشد الأوقات حرجا وأعسرها عسرا.
ونهض قيس بن سعد بأمر هذا الجند، حتى جاءه أمر الحسن بالدخول في طاعة معاوية، فأظهر الناس على ذلك وخيرهم بين أن يدخلوا فيما دخل فيه إمامهم أو يقاتلوا عدوهم على الحق بغير إمام، فاختاروا العافية، ووضعت الحرب أوزارها، وفتحت الطريق لمعاوية إلى الكوفة، فدخلها موفورا، وبايع له الناس ولم يبايع قيس بن سعد إلا بعد خطوب.
الفصل الثالث والأربعون
ولا بد من وقفة قصيرة عند حديث الصلح وما جرى بين الحسن ومعاوية من المفاوضة فيه، فقد يظهرنا التأمل في هذا كله على اتجاه نفوس الناس وقلوبهم في ذلك الوقت إلى الدنيا أكثر من اتجاهها إلى الدين، وقد يظهرنا ذلك أيضا على أن الحسن وأباه وهذه القلة القليلة من أشباههما إنما كانوا يعيشون غرباء في هذه البيئة الجديدة القديمة، أو في هذا الخلف الذي خلف من المسلمين، جماعة من هذه القلة كرهوا الفتنة واستيأسوا من بيئتهم ففروا بدينهم إلى العزلة وآثروا الله على الناس، وآخرون رأوا أن الدين لم يوح به إلى النبي ليؤثر به نفسه ويفر به من البيئة التي ملأها الفساد، وإنما أوحى به ليصلح من أمر الناس ما فسد، ويقوم من حياتهم ما اعوج، ويحملهم على الجادة، ويهديهم الصراط المستقيم، وقد نهض النبي بأمر ربه، لم يفر بدينه إلى غار حراء، ولم يعتزل به أهل مكة، وإنما واجه قومه بما كرهوا، عنف بهم وعنفوا به، وألح في دعائهم إلى الخير وألحوا في المكر به والكيد له والتأليب عليه، حتى أخرجوه من وطنه، فلم يثبط ذلك من همه، ولم يفل من حده، ولم يكن يحفل في سبيل الدين بأن يضع خصمه الشمس في يمينه والقمر في يساره إن استطاعوا، وكانت له العاقبة، فحمل الناس على الخير وهداهم إلى الدين، لم يشفق من تبعة، ولم يخف مكروها.
وقد رأى علي وأمثاله القليلون أن النبي قد سن لهم سنة في إنفاذ أمر الله وحمل الناس على الحق، فمضوا على سنة النبي وصاحبيه من بعده، واحتملوا في ذلك ما احتملوا من البلاء والعناء والقتل في ميادين الحرب، أو القتل غيلة أثناء الخروج إلى الصلاة.
ولم يكن بد من أن تصير أمور الناس إلى ما صارت إليه، فقد لقي العرب غيرهم من الأمم، ورثوا ملكهم وعرفوا حضارتهم وبلوا ما في حياتهم من خير وشر، ومن حلو ومر، وكان من الطبيعي أن تنتهي الأمور إلى إحدى اثنتين: فإما أن يقهر الغالبون فيعربوا هذه الأمم المغلوبة، وإما أن يقهر المغلوبون فيفتنوا هذه الأمة الغالبة، وقد فتنت الأمة الغالبة عن كثير من أمرها، فأعرضت عن خلافتها وعن سنتها الرشيدة، ودفعت إلى الملك، تقلد فيه قيصر وكسرى أكثر مما تقلد النبي والشيخين.
ويكفي أن تلاحظ ما قدمته آنفا من أن أشراف أهل العراق كانوا يتصلون بمعاوية في أيام علي، يتلقون ماله ويمهدون له أمره، وأن تلاحظ بعد ذلك أن الحسن لم يكد يفرغ من البيعة حتى فرغ جماعة من الأشراف الذين بايعوه إلى معاوية، منهم من سار إليه فبايعه وأقام معه حتى عادوا في صحبته إلى العراق، ومنهم من أرسلوا إليه الكتب ينبئونه بضعف الحسن وانتثار أمره واختلاف الناس عليه، ويتعجلون قدومه إلى العراق، حتى لم يتحرج معاوية من أن يتأذن في أصحابه من أهل الشام: أن كتب أهل العراق قد تواترت إليه يدعونه فيها إلى أن يسير إليهم، وأن أشراف أهل العراق قد جعلوا يقبلون عليه ليبايعوه.
وقد غير معاوية سياسته فجأة تغييرا تاما، فأعرض عن العنف ومال إلى الرفق وأمعن فيه، وكأنه كان يعرف عثمانية الحسن وبغضه للفتنة وتحرجه من سفك الدماء، كما كان يعرف كغيره من عامة الناس مكان الحسن من النبي ونزوع نفسه إلى الخير وعزوفها عن الشر.
صفحه نامشخص