فتنه کبری: علی و بنوه
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
ژانرها
أقول: إذا أضفت هذا كله عرفت أن التاريخ لم يبرأ في أمر هذه الفتنة من أثر العواطف الجامحة التي تسدل دون الحق أستارا أي أستار: عواطف العصبية للوطن والعصبية للقبيلة، وعواطف الدين، ثم عاطفة الطمع الذي يغري بالتقرب إلى الخلفاء والرغبة فيما عندهم، واتخاذ القصص والتكثر والكذب على التاريخ وسيلة إلى رضى السلطان وطريقا إلى أخذ ما عنده من المال.
والأمور تتعقد بعد هذا تعقدا عجيبا ولكن أمره ليس عسيرا ولا مشكلا، فقد امتحن أهل العراق بعد موت علي رحمه الله أشد امتحان وأقساه، عارضوا خلفاء بني أمية، فأرسل إليهم هؤلاء الخلفاء من يقمع معارضتهم أعنف أنواع القمع وأغلظها، فكانوا إذن مضطهدين.
وليس شيء يدعو إلى التكثر والاختراع أكثر من الاضطهاد الذي يملأ القلوب روعا وفرقا، ويشيع في النفوس بعد ذلك من البغض والحقد والضغينة ما ينطق الألسنة ويجري الأقلام بالشكاة المرة والأحاديث التي ليس بينها وبين الحق صلة أو سبب.
وامتحن أهل الشام حين انتقل السلطان إلى العباسيين أشق امتحان وأمضه، فساروا سيرة أهل العراق من قبل، وكذلك نسجت كل هذه الأستار الكثاف التي ألقيت بيننا وبين حقائق التاريخ، فجعلت مهمة المؤرخ الصادق من أعسر المهمات عسرا وأقساها قسوة.
وما رأيك في قوم قعدوا عن نصر علي بعد صفين حتى بغضوا إليه الحياة وأرهقوه من أمره عسرا؟! فلما فارقهم وفارقتهم بموته سماحة الخلافة ولين العيش، كلفوا بذلك الذي قعدوا على نصره أشد الكلف، وهاموا في حبه أعظم الهيام، وقالوا في تعظيمه وإجلاله أعظم القول، وغلا بعضهم في ذلك بأخرة حتى رأوا في علي عنصرا من الألوهية يرفعه فوق غيره من الناس!
وما رأيك في قوم آخرين يرون من أهل العراق هذا كله، ويرون منهم إسرافهم فيما يضيفون إلى علي من الخصال، وتجاوزهم القصد في كل ذلك؟! فلا يكتفون منهم بما يسمعون عنهم أو بما يرون من سيرتهم، وإنما يضيفون إليهم أكثر مما قالوا وأكثر مما فعلوا، ثم لا يكتفون بذلك وإنما يحملون هذا كله على علي نفسه وعلى معاصريه، فيتحدثون بأن قوما من أهل الكوفة ألهوا عليا وأعلنوا إليه ذلك، ثم يزعم الصالحون المصلحون - الذين يحسنون الظن بعلي كما يحسنون الظن بغيره من أصحاب النبي - أن عليا ضاق بهذا التأليه وحرق القائلين به تحريقا.
والغريب أن هذا التأليه استمر بعد موت علي وبعد تحريقه من حرق من مؤلهته، كأن هؤلاء الناس من شيعة علي قد ألهوه على رغمه وعلى علم منهم بأنه ينكر ذلك ويبغضه ويعاقب عليه بالتحريق.
ثم يغلو خصوم الشيعة فيزعمون أن الذين حرقهم علي بالنار قد ازدادوا تأليها له حين رأوا النار ورأوا أنهم يدفعون إليها ويلقون فيها، فقال قائلهم: لا جرم، لا يعذب بالنار إلا خالق النار!
وكل هذا خلط من الخلط ومراء من المراء، وتكثر دعا إليه الإغراق في اللجاج والغلو في الخصومة والإسراف في هذا البغض المعقد، والأمر بين علي وأصحابه أيسر من هذا كله يسرا، وأهون من كل هذا التكلف والإغراق، فقد حمل علي أصحابه كما رأيت على ما حملهم عليه من تلك الحروب المبيرة غير المغنية، وأفسد معاوية عليه رؤساء أصحابه بالمال والكيد فقعدوا عن نصره وفشلوا عن حقه وحقهم، وتنبأ لهم علي بأن قعودهم هذا سيجر عليهم الشر كل الشر وسيورطهم في النكر الذي لا حد له، فلم يسمعوا له حين قال، ولم يستجيبوا له حين دعا، فلما قتل واستقامت أمور العراق لمعاوية وخلفائه من بني أمية صحت لأهل العراق نذر علي كلها، وتحققت فيهم نبوءته لهم، فسامهم ولاة الأمويين الخسف كل الخسف، وحملوهم على أشد ما كانوا يكرهون، وامتحنوهم في أموالهم وأنفسهم وفي سرهم وعلانيتهم، وفي كل دينهم ودنياهم، فذكروا أيام علي وندموا على ما فرطوا في جنبه وما قصروا في ذاته، فدفعوا إلى ما دفعوا إليه من الغلو في حب علي والإسراف في الهيام به، والافتنان في تكبيره وتعظيمه، يرون في ذلك كله عزاء عما قدموا إليه من الإساءة إليه أثناء حياته.
وقد رأيت أن حياة علي في العراق قد كانت محنة كلها، فإذا علمت أن عليا نفسه كان يرى أن حياته في الحجاز بعد وفاة النبي
صفحه نامشخص