فتنه کبری: علی و بنوه
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
ژانرها
وليس من اليسير كذلك على علي أن يقرأ في كتاب معاوية اتهامه بحسد ابن عمته والبغي عليه وقطع رحمه وإغراء الناس به والقعود عن نصره حين ضيق عليه الثائرون به، ثم ليس من اليسير على علي آخر الأمر أن يقرأ هذا التحدي الواضح والدعاء إلى أن يثبت براءته من دم عثمان بتسليم قاتليه، فإن لم يفعل فليس بينه وبين معاوية إلا السيف.
وقد أبلغ معاوية في التحدي حتى زعم لعلي أنه إن دفع إليه قتلة عثمان أسرع وأسرع معه أهل الشام إلى بيعته وطاعته، ومعاوية كان يعلم حق العلم أن عليا لن يقبل هذا التحدي ولن يسلم إليه قتلة عثمان، وهو يتحدى السلطان وينذره على هذا النحو، وإنما كانت سبيله، لو قد آثر السلم والعافية، أن يبايع ويطيع أولا ثم يتقدم إلى الخليفة طالبا أن ينصفه من الذين قتلوا ابن عمه، وأن ينصف أبناء عثمان من الذين قتلوا أباهم.
ثم كان معاوية يعلم حق العلم بعد هذا كله أن عليا لو قدر على قتلة عثمان لأقاد منهم في المدينة، حين تحدث إليه في ذلك من بايعه من المهاجرين والأنصار، فكيف وقد صار إلى العراق وأقام بين أظهر الكثرة التي ثارت بعثمان حتى قتلته؟!
كل ذلك كان معاوية يعلمه، ولكنه أراد أن يبرئ نفسه أمام أهل الشام وأمام المتأثمين منهم خاصة من تبعة الحرب التي لم يكن منها بد، فليس غريبا بعد ذلك أن يرفض علي ما طلب إليه، وأن يرد على كتابه مع سفيره نفسه بهذا الكتاب الذي رواه البلاذري أيضا: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد، فإن أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر فيه محمدا وما أكرمه الله به من الهدى والوحي، فالحمد لله الذي صدق له الوعد، ومكن له في البلاد، وأظهره على الدين كله، وقمع به أهل العداوة والشنآن من قومه الذين كذبوه وشنعوا عليه وظاهروا عليه وعلى إخراج أصحابه، وقلبوا له الأمور حتى ظهر أمر الله وهم له كارهون، فكان أشد الناس عليه الأدنى فالأدنى من قومه إلا قليلا ممن عصم الله، وذكرت أن الله جل ثناؤه وتباركت أسماؤه اختار له من المؤمنين أعوانا أيده بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم خليفته وخليفة خليفته من بعده، ولعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم وإن المصاب بهما لرزء جليل، وذكرت أن ابن عفان كان في الفضل ثالثا، فإن يكن عثمان محسنا فسيلقى ربا شكورا يضاعف الحسنات ويجزي بها، وإن يكن مسيئا فسيلقى ربا غفورا رحيما لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، وإني لأرجو إذا أعطى الله المؤمنين على قدر أعمالهم أن يكون قسمنا أوفر قسم أهل بيت من المسلمين، إن الله بعث محمدا
صلى الله عليه وسلم
فدعا إلى الإيمان بالله والتوحيد له، فكنا أهل البيت أول من آمن وأناب، فمكثنا وما يعبد الله في ربع سكن من أرباع العرب أحد غيرنا، فبغانا قومنا الغوائل، وهموا بنا الهموم، وألحقوا بنا الوسائط، واضطرونا إلى شعب ضيق وضعوا علينا فيه المراصد، منعونا من الطعام والماء العذب، وكتبوا بينهم كتابا ألا يؤاكلونا ولا يشاربونا ولا يبايعونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا أو ندفع إليهم نبينا فيقتلوه أو يمثلوا به، وعزم الله لنا على منعه والذب عنه، وسائر من أسلم من قريش أخلياء مما نحن فيه، منهم من حليف ممنوع وذي عشيرة لا تبغيه كما بغانا قومنا، فهم من التلف بمكان نجوة وأمن، فمكثنا بذلك ما شاء الله، ثم أذن الله لرسوله في الهجرة وأمره بقتال المشركين، فكان إذا حضر البأس ودعيت نزال قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه؛ فقتل عبيدة يوم بدر، وحمزة يوم أحد، وجعفر يوم مؤتة، وتعرض من لو شئت أن أسميه سميته لمثل ما تعرضوا له من الشهادة، لكن آجالهم حضرت ومنية أخرت.
وذكرت إبطائي عن الخلفاء وحسدي لهم، فأما الحسد فمعاذ الله أن أكون أسررته أو أعلنته! وأما الإبطاء فما أعتذر إلى الناس منه، ولقد أتاني أبوك حين قبض رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وبايع الناس أبا بكر، فقال: «أنت أحق الناس بهذا الأمر، فابسط يدك أبايعك.» وقد علمت ذلك من قول أبيك، فكنت الذي أبيت ذلك مخافة الفرقة؛ لقرب عهد الناس بالكفر والجاهلية، فإن تعرف من حقي ما كان أبوك يعرفه تصب رشدك، وإلا تفعل فسيغني الله عنك.
وذكرت عثمان وتأليبي الناس عليه، وإن عثمان صنع ما رأيت فركب الناس منه ما قد علمت وأنا من ذلك بمعزل، إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك، وذكرت قتلته بزعمك وسألتني دفعهم إليك، وما أعرف له قاتلا بعينه، وقد ضربت الأمر إلى أنفه وعينيه فلم أره يسعني دفع من قبلي ممن اتهمته وأظننته إليك، ولئن لم تنزع عن غيك وشقائك لتعرفن الذين تزعم أنهم قتلوه طالبين لا يكلفونك طلبهم في سهل ولا جبل، والسلام.»
صفحه نامشخص