فتنه کبری: علی و بنوه
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
ژانرها
وتمت البيعة لعلي في المدينة بعد مقتل عثمان بخمسة أيام في بعض الروايات، وبثمانية أيام في بعضها الآخر، وظهر أن الأمور قد استقامت لعلي في الحجاز وفي ثغور الكوفة والبصرة ومصر، وكان الذي يشغله ولا يريد أن يستقيم له هو أمر الشام؛ ذلك أن الشام لم يشترك في الثورة من جهة، وكان حكمه إلى معاوية ابن عم عثمان من جهة أخرى، وسنرى بعد قليل سيرة علي في أمر الشام ومعاوية.
ولكن المهم أن عليا قد أصبح إماما للمسلمين، بايعه من حضر المدينة من المهاجرين والأنصار، وبايعه عن الثغور من حضر المدينة من الثائرين، فقد حلت إذن إحدى المشكلتين الخطيرتين؛ مشكلة الخلافة والخليفة الجديد، أو ظهر لعلي ولكثرة الناس أنها قد حلت وأن الأمر صائر بعد حلها إلى العافية والرضى والاستقرار.
ولم يكن بد من أن يعرض الإمام الجديد للمشكلة الثانية، وهي مشكلة هذا الإمام المقتول، فقد كان ينبغي أن يظهر أمر الله وحكم الدين في قتل هذا الإمام وفي قاتليه، أقتل الإمام ظالما؟ وإذن فلا ثأر له ولا قصاص من قاتليه، أم قتل الإمام مظلوما؟ وإذن فلا بد من أن يثأر له الإمام الجديد وينفذ في قاتليه ما أمر الله به من القصاص.
فأما أصحاب النبي من المهاجرين والأنصار فكانوا يرون أنه قتل مظلوما، وأن ليس للإمام بد من الثأر بدمه، وأن أمور الدين لا تستقيم إذا ضيعت الحقوق وأهدرت الدماء ولم تقم الحدود.
هذا كله لو كان المقتول إنسانا من الناس ليس غير، فكيف وهو إمام الناس وخليفة المسلمين؟! وكان المهاجرون والأنصار يقولون: ما يمنع الناس إن لم نقتص من قتلة عثمان أن يثوروا بكل من سخطوا عليه من أئمتهم فيقتلوه؟ وقد تحدثوا في ذلك إلى علي فسمع منهم وأقرهم على رأيهم، ولكنه صور لهم الأمر على حقيقته؛ فالسلطان قد انتقل إليه بحكم البيعة، ما في ذلك شك، ولكنه ما زال في أيدي الثائرين بحكم الواقع من الأمر، فهم يحتلون المدينة احتلالا عسكريا ويستطيعون أن يقضوا فيها وفي أهلها بما يشاءون، ولا قدرة للخليفة ولا لأصحاب النبي عليهم؛ فالخير إذن في التمهل والأناة حتى تستقيم الأمور ويقوى سلطان الخليفة في الأمر، ثم ينظر في القضية بعد ذلك فيجري الأمر فيها على ما قضى الله ورسوله في الكتاب والسنة.
وقد رضي أصحاب النبي من علي بما رأى لهم، وأما الثائرون فكانوا يرون أنهم قتلوا الخليفة ظالما؛ فليس له ثأر ولا ينبغي للإمام أن يقتل به أحدا.
ومع ذلك فقد هم علي أن يحقق مقتل عثمان، ولكنه لم يستطع أن يمضي في التحقيق إلى غايته، ولهج قوم بأن محمد بن أبي بكر قد شارك في دم عثمان، ومحمد بن أبي بكر هو ابن خليفة رسول الله وأخو أم المؤمنين عائشة، وهو ربيب علي نفسه، فقد كانت أمه عند علي، تزوجها بعد موت أبي بكر، وقد سأل علي محمدا: أأنت قاتل عثمان؟ فأنكر، وأقرته نائلة بنت الفرافصة زوج عثمان على إنكاره.
ولكن الثائرين لم يكادوا يحسون بدء علي في هذا التحقيق حتى أظهروا السخط والتضامن، فصار علي إلى ما قدمنا من رأيه، وانتظر معه عامة الصحابة من أهل المدينة.
ولعلك تذكر أن عثمان نفسه قد واجه في أول خلافته مشكلة تشبه هذه المشكلة التي واجهها علي أول ما ولي الأمر، فقد كان أول مشكل عرض لعثمان هو أمر عبيد الله بن عمر الذي قتل الهرمزان متهما له بالتحريض على قتل أبيه، وقتله في غير تثبت وبغير قضاء ممن يملك القضاء، وكان المسلمون قد انقسموا في أمر هذا الفتى، فريق يرى إقامة الحد عليه، ومنهم علي، وفريق يكبر أن يبدأ عثمان خلافته بقتل ابن أمير المؤمنين عمر، وقد عفا عثمان لأن الهرمزان لم يكن له ولي من ذوي عصبته يطالب بدمه، فكان الخليفة هو الولي، وكان يرى أن من حقه أن يعفو، ولم يقبل علي وكثير من المسلمين في ذلك الوقت قضاء عثمان وإنما رأوه ظلما وإهدارا للدم وتفريطا في حق الله، وكان علي يقول بعد خلافته: لئن ظفرت بهذا الفاسق لأقتلنه بالهرمزان.
واجه عثمان إذن ابن خليفة من خلفاء المسلمين متهما بالقتل في غير حقه فعفا عنه، واختلف الناس في هذا العفو.
صفحه نامشخص