فتنه کبری: علی و بنوه
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
ژانرها
ولم تكن الفتنة الكبرى، التي عرضنا لها في هذا الجزء وفي الجزء الذي سبقه من هذا الكتاب، إلا صراعا بين هذه الطبيعة الإسلامية العربية، وطبائع الأمم المغلوبة التي ظهر عليها المسلمون.
كان الإسلام يريد أن يحمل الناس على طريق من العدل والقسط والحرية، لا يشقى فيها أحد لفقر أو ضعف أو خمول، ولا يسعد فيها أحد لقوة أو ثراء أو نباهة شأن، وإنما يعيش الناس فيها كراما قد وفرت عليهم حقوقهم بالمعروف، ليس فيها تفوق أو امتياز إلا بالدين والتقوى وحسن البلاء.
وكان الإسلام يريد أن يكون الخلفاء والولاة أمناء للناس على حقوقهم وأموالهم ومرافقهم، يدبرونها على ملأ منهم وعن مشاورة ومؤامرة، ويمضونها في غير تجبر ولا تكبر ولا أثرة ولا استعلاء، ويديرونها كذلك لا على أنهم سادة يمتازون من الناس بأي لون من ألوان الامتياز، بل على أنهم قادة يثق الناس بهم ويطمئنون إليهم ويرونهم كفاة للقيام على أمورهم، فيعهدون إليهم بهذه الأمور عن رضى واختيار، لا عن قهر أو استكراه، ثم يراجعهم في هذه الأمور من شاء منهم أن يراجعهم فيها، فإن استبان لهم أنهم أخطئوا كان الحق عليهم أن يعودوا إلى الصواب، وإن استبان لهم أنهم انحرفوا كان من الحق أن يستقيموا على الطريقة، وعلى هذا النحو الذي كان الإسلام يريده من أنحاء الحكم ومن أنحاء الصلة بين الحاكمين والمحكومين. مضى النبي
صلى الله عليه وسلم
حتى إذا اختاره الله لجواره مضى خلفاؤه على سنته لم ينحرفوا عنها إلا قليلا من أمر عثمان رحمه الله؛ حين غلبه بنو أمية على رأيه، وما أكثر ما راجعه الناس في ذلك! فصار إلى ما أحبوا وأعطى النصفة من نفسه ومن عماله غير مرة، وأعلن التوبة أو استغفر بمشهد من المسلمين، وعلى منبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
فقد كان عثمان يريد الحق فيقدر عليه أحيانا ويعجز عنه بعض عماله وخاصته أحيانا أخرى، وكان المحقق أن عثمان لم يتعمد تجبرا ولا تكبرا ولا استعلاء ولا استئثارا، وأقصى ما يمكن أن يقال فيه إنه أخطأ أحيانا غير عامد إلى الخطأ، وعلى رغم هذا كله ثارت به طائفة من المسلمين وطلبت إليه أن يخلع نفسه، بعد أن ظهر أنه لا يحسن مقاومة الطغاة من خاصته وعماله، فلما أبى أن يخلع نفسه قتلوه.
وسار علي سيرة الشيخين، وعسى أن يكون قد تحرج في بعض أمره أكثر مما كان الخلفاء الذين سبقوه يتحرجون، فتشدده في أن يقسم في الناس كل ما ورد عليه من المال، وأن يرى الناس بيت مالهم بين حين وحين خاليا من البيضاء والصفراء، قد كنس ورش، وقام أمينهم فيه فصلى ركعتين، وعلم الناس أن أمينهم لم يحتجز من دونهم شيئا ولم يستأثر عليهم بشيء، وكان لعلي مال قبل أن يلي الخلافة يغل عليه دخلا حسنا، فخرج منه وجعله صدقة وفارق الدنيا ولم يترك فيها إلا مئات من دراهم، اقتصدها من عطائه ليشتري بها خادما، كما قال الحسن حين خطب الناس بعد موت أبيه، ولسنا نعلم أن أحدا من الخلفاء الأربعة قتل مسلما بالشبهة أو عاقبه على الظنة، وإنما نعلم أنهم كانوا يقتصون من عمالهم، وأن عثمان أقام الحد على الوليد بن عقبة، عامله على الكوفة، حين شهد الشهود عليه أنه شرب الخمر، وأن عمر أقام الحد على أحد بنيه حين شهد عليه بشرب الخمر أيضا، وأنه هم برجم المغيرة بن شعبة لولا أن لجلج زياد في الشهادة بين يديه، فدرأ الحد بالشبهة.
كل هذا وأكثر من هذا كان يصنعه الخلفاء السابقون، فأين نحن من هذا كله أو بعضه؟! وقد زعم الرواة أن معاوية سأل ابنه يزيد ذات يوم عن السياسة التي يريد أن يختطها لنفسه، فزعم له أنه يريد أن يحاول سياسة عمر، فضحك معاوية وقال: هيهات! لقد حاولت سيرة عثمان فلم أستطعها، فكيف بسيرة عمر؟!
والشيء الذي ليس فيه شك هو أن أحدا من الخلفاء السابقين لم يأخذ السلطان بالسيف، ولم يقتل حجرا ولا أشباه حجر، ولم يورث الخلافة أحد بنيه، ولم يستلحق زيادا أو أشباه زياد، ولم يقل ما قال معاوية ذات يوم بمحضر صعصعة بن صوحان: «الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما أخذت فلي وما تركته للناس فبالفضل مني.» إلا ما كان من عثمان حين زعم على المنبر أنه سيأخذ من بيت المال حتى يرضى وإن رغمت أنوف، فقال له عمار بن ياسر: أشهد أن أنفي أول راغم. وقال له علي: إذن تمنع من ذلك. وقد رد صعصعة بن صوحان على معاوية بما يشبه كلام علي، فقال: ما أنت وأقصى الأمة في ذلك إلا سواء، ولكن من ملك استأثر. فغضب معاوية وقال: لهممت. قال صعصعة: ما كل من هم فعل. قال: ومن يحول بيني وبين ذلك؟ قال صعصعة: الذي يحول بين المرء وقلبه. وخرج وهو ينشد قول الشاعر:
صفحه نامشخص