واستبحرت رفاهية وعمارة، وزخرت نعيما وترفا، واكتظت بدائع وطرفا، ثم حضر عرسا فيها لأحد السروات، فرأى شيئا لم تقع العين على مثله في الحواضر، بله البوادي البلاقع المقفرات،
89
ثم أريد على أن يصف ما رأى، فوصف ولكنه أضحك وما عدا،
90
وأين أنا على ذلك من الأعرابي الذي أذاب الفصاحة وأذابته، وأين عرسه من الجنان وما حوته؟ كلا، لا أين، ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام، والبحر يمده من بعده سبعة أبحر مدادا للكلام عن الجنة لنفد البحر قبل أن ينفد الكلام.
يفنى الكلام ولا يحيط بوصفها
أيحيط ما يفنى بما لا ينفد
وبودي كان، أن يكون ذلك في الإمكان، وأن يؤاتيني كما أشتهي وصف الجنان، فأجلو على أهل الدنيا معنى لو هو برز لهم لتزخرف له ما بين خوافق السماوات والأرض، ولاستحال جمالا غير الجمال ما بين طولهما والعرض، ولانجابت حلكة هذه الخاسرة، وحل محلها نور إلهي أبدي من نور الآخرة، كما ينجاب الشر بالخير، والضلال بالهدى، والمرض بالعافية، والنقمة بالنعمة الباقية، نعم، ولو أتيح لي أن أصف لك الجنة وأنا فيها، راتع بين أهليها، لأتيت لك بكلام علوي فردوسي ملائكي ككلام أهل الجنة إن لم يكن منطبقا كل الانطباق، فعسى أن يكون مقاربا، ولكني وا أسفاه! أحدثك بعد خروجي من الجنة، وتمرغي في أعطاف دنياكم هذه وهويي إلى هذا الحضيض الأوهد ... على أنه إن لم يكن صداء فماء،
91
وإن لم يكن خمر فخل، وإن لم يصبها وابل فطل،
صفحه نامشخص