Fiqh Principles: Authenticity and Guidance

Muhammad Hassan Abdul Ghafar d. Unknown
106

Fiqh Principles: Authenticity and Guidance

القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه

ژانرها

الأدلة على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح والأدلة على هذه القاعدة العظيمة العريضة التي يندرج تحتها كثير من المسائل العلمية: قول الله تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام:١٠٨]. فالله جل وعلا نهى الصحابة الكرام أن يسبوا الآلهة أو يسفهوا أحلام من يعبد هذه الآلهة، مع أن سب الآلهة الباطلة ممدوح، بل محثوث عليه، وتسفيه أحلام من يفعل ذلك ممدوح، بل محثوث عليه، بل يثاب المرء إذا فعل ذلك، لكن منع الله جل في علاه هذه المصلحة لدرء مفسدة أعظم منها، أو لتعارض مفسدة مع هذه المصلحة، ألا وهي سب الله جل في علاه، فإن من أعظم المفاسد أن يسب الله جل في علاه. ولذلك بين لنا الله جل في علاه قاعدة شرعية لا بد أن نسير عليها طيلة تعبدنا لله جل في علاه، ألا وهي: دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، فإن كان في سب الآلهة مصلحة فإن دفع المفسدة أولى. ومن الأدلة التي تثبت ذلك: حديث النبي ﷺ عمومًا: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا). ففي هذا الحديث دلالة على هذه القاعدة العظيمة، ووجه الدلالة: أن أمر النبي ﷺ فيه منفعة، فسهل فيه وعلقه بالاستطاعة، وأمر بامتثال النهي مطلقًا لأنه مفسدة تجتنب، فالحديث يبين أن الشرع يهتم بالانتهاء عن المنهيات، بدفع المفاسد كلها. فالمنافع فيها التسهيل، قال ﷺ: (فأتوا منه ما استطعتم)، أما في المنهيات وفي المفاسد قال: (فانتهوا). وفي الحديث الصحيح أن النبي ﷺ دخل على عائشة ﵁ وأرضاها وقال لها: (لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة، ولبنيتها على قواعد إبراهيم، ولجعلت لها بابًا منه يدخل الناس، وبابًا يخرجون منه)، ولم يفعل ذلك النبي ﷺ. فالمصلحة هنا: أن تكون الكعبة كما بنيت على عهد إبراهيم. والمصلحة الثانية: أنه لا يفرق بين الناس، حيث إنَّ أهل مكة كانوا قد جعلوا مصعدًا يصعد عليه الشرفاء ليدخلوا الكعبة، لكن الضعفاء أو الفقراء لا يدخلون. فكان النبي ﷺ يريد مصلحة أعظم من ذلك ألا وهي عدم التفريق؛ لأن رب أشعث أغبر عند الله أفضل من آلاف من هؤلاء المعظمين، فقال: (ولجعلت لها بابًا يدخل منه الناس)، والمصلحة العظمى: باب يخرجون منه خشية التزاحم. فهذه مصلحة عظيمة جدًا أن تبنى الكعبة على قواعد إبراهيم، لكن نازعت هذه المصلحة مفسدة فامتنع النبي ﷺ، وهذا هو الشاهد، والمفسدة هي: حدوث الفتنة وهو ارتدادهم عن الإسلام، فإنَّ أهل مكة كانوا يعظمون الكعبة، ويعظمون الشعائر، فإذا رأوا النبي ﷺ يهدم الكعبة سيقولون: النبي ﷺ لا يعظم الكعبة فتحدث الفتنة بينهم، فيرتدون عن الإسلام؛ لأنهم لا يفقهون أن النبي ﷺ يبين أن هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم مصلحة كبيرة جدًا، بل سيقولون: لم يعظم شعائر الله جل في علاه، كيف يأمرنا أن نعظم شعائر الله وهو لم يعظم شعائر الله حين هدم الكعبة؟ ومن الأدلة على ذلك: الرجل الذي جاء ينظر إلى النبي ﷺ وهو يقسم الغنائم، فقال: اعدل يا محمد! هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى. فقال النبي ﷺ: (ويحك، ومن يعدل إن لم أعدل)، وفي رواية قال: (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟! فقام خالد بن الوليد، وقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال له النبي ﷺ: لا، حتى لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه). فوجه الدلالة في هذا الحديث قوله: (لا، حتى لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) فالمصلحة: كل من تطاول على رسول الله ﷺ فحده القتل حتى لا يتجرأ أحد على رسول الله ﷺ. وأما المفسدة: فهي أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، وتحدث مفسدة ناجمة عن ذلك بعدم دخول الناس في الإسلام خوفًا، فيقولون: ما من أحد يكلم هذا الرجل إلا وقتله. إذًا: في قتل هذا المنافق مفسدة وهي تنفير الناس عن النبي ﷺ وأصحابه، فقدم درؤها على مصلحة قتله.

12 / 4