فکر عربی حدیث
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
ژانرها
وربما لم يكن روسو مبتكرا في كل ما جاء به؛ فإن هوبز المفكر الإنكليزي في القرن السابع عشر وصاحب كتاب «الليفياثان»
Leciathan
يعتبر سابقا له في البناء على نظريتي العقد الاجتماعي والحالة الطبيعية. لكن هوبز - عدا فروق ثانوية أخرى - سخر النظريتين لخدمة الملكية المطلقة، بينما سخرهما روسو لخدمة الحكم الدستوري بحق الثورة؛ ولذلك يعتبر المفكر الإنكليزي الآخر جون لوك بين سابقي روسو في القرن الثامن عشر. والاتفاق الفكري السياسي بين روسو ولوك عظيم، إلا أن لوك استهدف الملكية الدستورية، بينما استهدف روسو الجمهورية. ولعل أبرز ما امتاز به جان جاك روسو قدرته على حمل آرائه ومبادئه إلى صفوف الجماهير، وكأن غيره ظل يفكر في نطاق مكتبة صغيرة أو حلقة ضيقة من النخبة المختارة، بينما استطاع روسو أن يحرك أعماق الشعب ويجعل من مذهبه دستورا للعمل. إنه من الكتاب القلائل الذين ترن كلماتهم رنة الصدق، ويشعر القارئ لدى مطالعتهم أنهم إذ يدعونه إلى التفكير يدعونه إلى العمل أيضا.
يرجع روسو في فلسفته السياسية إلى العهد الذي يسميه الحالة الطبيعية، وهو يرى أن الإنسان في هذا العهد - الإنسان الفطري - كان صالحا، وكان خلوا من شوائب العاهات التي لحقت به فيما بعد؛ فروسو يعتقد أن الفطرة الإنسانية فطرة خير، وأن الناس في الحالة الطبيعية كانوا على مستوى يقارب المثل الأعلى، وكان لكل منهم حقوق مضمونة مقدسة تعرف بالحقوق الطبيعية
Droits Naturels .
19
فكيف تقهقر الإنسان إلى الحالة التي شاهده عليها روسو في المجتمع؟ وكيف يمكننا أن نتلافى الشر ونصعد بالمخلوق الآدمي إلى حيث هيأته كفاءاته الأصيلة؟
يقول روسو إن الإنسان لما حاد عن طريق «الحالة الطبيعية» أصيب بالانحطاط. وهذا طبعا لا يعني أن الفيلسوف الفرنسي قصد فعلا أن يعود الإنسان إلى حالته في فجر التاريخ. وفولتير لما كتب إلى روسو رسالته الشهيرة ينبئه فيها أنه شوقه إلى «الدبيب على أربع» شأن الحيوانات إنما انساق بدافع نكتة موفقة. وخلاصة ما ذهب إليه روسو هو أن الإنسان بذرة صالحة في الطبيعة، فإذا وافقتها عناية صالحة وجو صالح نمت نموا أقرب إلى شروط الكمال والفضيلة؛ ولذلك اهتم روسو اهتمامه العظيم بالتربية من جهة، وبنظام الحكم من جهة أخرى، فألف كتابيه الخالدين «إميل» و«العقد الاجتماعي».
في العقد الاجتماعي، وهو الكتاب الذي يمس صميم موضوعنا، يقول روسو: إن الناس، إذ يخرجون، أو يضطرون إلى الخروج، من الحالة الطبيعية بفعل تقدم التاريخ، يتعاقدون على أن يتنازل كل منهم عن امتيازات الحياة التي يتمتع بها في تلك الحالة. لكنهم لا يتنازلون هذا التنازل إلا لأن هذا التعاقد يضمن لهم في حالة الحياة الجديدة حقوقا لا غنى لهم عنها ولا قيمة للاجتماع إلا بها، وفي طليعة هذه الحقوق: الحرية. والحرية في نظر روسو ليست الانسياق لنزوات العاطفة؛ فتلك هي العبودية، بل ليست الحرية الطاعة للقانون كما يعتقد مونتسكيو، ولكنها الطاعة للقانون الذي تسنه الأكثرية.
فنظرية «العقد الاجتماعي» تتلخص بأنها التقيد بإرادة الأكثرية التي يسفر عنها الاقتراع الديمقراطي الطليق. ويفرق روسو تفريقا هاما بين إرادتين: إرادة الجميع
صفحه نامشخص